فرج فودة.. شجاع الرأي ونصير المبادئ!

هل لكَ أن تتخيل أن يخسر إنسان حياته بسبب كلمة تفوه بها، أو خطاب خاض في تفكيكه؟ قبل نحو 30 عاماً وبعد مناظرة "حامية الوطيس" فقدنا أحد أهم مفكري الوطن العربي، الراحل المصري، د. فرج فودة، لتزهق روحه على يد أمي لم يعرف القراءة والكتابة.

المناظرة التي حملت عنوان: "مصر بين الدولة الدينية والدولة المدنية"، جمعت بين المفكر فودة والدكتور محمد خلف الله من جهة، حيث مثلا الفريق المناصر للدولة المدنية، بينما ضم الطرف المقابل الشيخ محمد الغزالي والمستشار مأمون الهضيبي المرشد العام السابق لجماعة الإخوان المسلمين، والدكتور محمد عمارة.

ومن موقع المشاهد لتسجيل الفيديو الموثق للمناظرة، لم يخرج فرج فودة وخلف الله في طرحهما عما يتبنيانه في مؤلفاتهما من أفكار تميز بين وجوب احترام الدين وقدسيته وعدم جواز الزج به في معترك السياسة، ومن ثم ضرورة إقامة الدولة على أسس مدنية خالصة تحترم فيها الحقوق والحريات والأديان.

يقول فودة: "لا أحد يختلف على الإسلام الدين، ولكن المناظرة اليوم حول الدولة الدينية، وبين الإسلام الدين والإسلام الدولة، رؤية واجتهاداً وفقهاً، الإسلام الدين في أعلى عليين، أما الدولة فهي كيان سياسي وكيان اقتصادي واجتماعي يلزمه برنامج تفصيلي يحدد أسلوب الحكم..  لينهي كلمته بالدعوة إلى الله أن يهتدي الجميع بهدي الإسلام، وأن يضعوه في مكانه العزيز، بعيداً عن الاختلاف والمطامع".

أنا لا أقرأ ولا أكتب!

بعد كلمات فودة، سرعان ما انطلقت صيحات الاستهجان، التي بدأت معها حملة التجييش الإعلامي ضد فكر الرجل وتصريحاته، حتى وصلت الرحلة إلى المحطة الأهم في الثالث من يونيو/ حزيران 1992، حين نشرت جريدة النور الإسلامية، بياناً، يكفر فرج فودة ويدعو لجنة شؤون الأحزاب لعدم الموافقة على إنشاء حزبه (المستقبل).

بعد خمسة أيام فقط من نشر البيان، وتحديداً في الثامن من حزيران انتظر شابان على دراجة نارية أمام جمعية التنوير المصري التي كان يرأسها فودة، بشارع أسماء فهمي بمصر الجديدة حيث مكتب فودة. وفي الساعة السادسة والنصف مساءً، وعند خروجه من الجمعية بصحبة ابنه أحمد وصديق له، أطلقوا عليه الرصاص.

وبالتحقيق مع أحدهما أعلن أنه قتل فودة بسبب فتوى دينية بقتل المرتد. وحينما سأله المحقق، "لماذا قتلت فرج فودة؟، أجاب: لأنه ينشر كتباً تدعو إلى الكفر والإلحاد. تابع المحقق: هل قرأت هذه الكتب؟، فأجاب القاتل: لا، أنا لا أقرأ ولا أكتب".

"أنصار الحكمة لا محبي الحكم"

ويعد المفكر الأبرز فودة، المولود عام  1945 ببلدة الزرقا بمحافظة دمياط (شمال مصر)، والحاصل على ماجستير العلوم الزراعية ودكتوراه الفلسفة في الاقتصاد الزراعي من جامعة عين شمس، واحداً من رواد التنوير في العالم ، حيث ألف عدداً من الكتب منها: "قبل السقوط"، "الحقيقة الغائبة"، "الملعوب"، "نكون أو لا نكون"، "حتى لا يكون كلاماً في الهواء"، إذ لاقت الكتب اهتماماً كبيراً، فطبع بعضها أكثر من مرة ودرس بعضها في الجامعات والمعاهد.

وفي كتابه "قبل السقوط"، ذكر "لا أبالي إن كنت في جانب، والجميع في جانب آخر، ولا أحزن إن ارتفعت أصواتهم أو لمعت سيوفهم. ولا أجزع إن خذلني من يؤمن بما أقول. ولا أفزع إن هاجمني من يفزع لما أقول. وإنما يؤرقني أشد الأرق، ألا تصل هذه الرسالة إلى من قصدت. فأنا أخاطب أصحاب الرأي لا أرباب المصالح. وأنصار المبدأ لا محترفي المزايدة. وقصاد الحق لا طالبي السلطان. وأنصار الحكمة لا محبي الحكم".

برأيي؛ لسنا نواجه نصر حامد أبو زيد أو جورج طرابيشي أو غيرهما من أصحاب المشروعات الفكرية، لكننا نقف أمام كاتب "شاطر" ومفكر "شجاع"، وميزته التي حملها، طوال حياته، فحملته حياً وشهيداً، أنه وجد السؤال، ونجح في طرحه.. وكل ذلك في سبيل جعل الشريعة أداة بناء للإنسان والمستقبل، لا معول هدم للعقل والروح.