تضامناً مع الأسرى الفلسطينيين.. اتساع الاعتقال الإداري ومحاكمات غير عادلة وتعسف في استخدام القوة

لم تعد هناك عائلة فلسطينية واحدة، إلا وقد ذاق أحد أفرادها مرارة السجن. بل إن هنالك عدداً كبيراً من الأسر الفلسطينية ممن تعرضت بكامل أفرادها للاعتقال، فذاقت مرارته، واجتمعت سوية بين جدران السجون وعانت قسوة السجانين، فضلاً عن تعرضهم على الأقل إلى أحد أشكال التعذيب الجسدي أو النفسي، والإيذاء المعنوي.

هذا وغيره، جعل من السجون الإسرائيلية -ومنذ لحظة إنشائها- وسائل عقابية وساحات لقمع الأسرى، ذكوراً وإناثاً، صغاراً وكباراً، وإلحاق الأذى المتعمد بهم، وهو ما تؤكده الأرقام التي تؤشر إلى وجود قرابة (4,900) أسير، منهم (29) أسيرة، ونحو (160) قاصراً معتقلين في سجون الاحتلال الإسرائيلي، ونحو (1,016) معتقلاً إدارياً، في زيادة واضحة في أعداد المعتقلين الإداريين، وفق الإحصائية التي أعلنتها وزارة الأسرى والمحررين، في مدينة غزة مطلع شهر نيسان/أبريل الجاري.

في هذا السياق، وللتعرف أكثر على أحوال وأوضاع الأسرى الفلسطينيين، عقدت منظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية (أرض)، في إطار برنامج القضية الفلسطينية، ندوة بمناسبة يوم الأسير الفلسطيني الذي يصادف 17 نيسان/أبريل من كل عام، واعتمده المجلس الوطني الفلسطيني عام 1974 يوماً وطنياً من أجل نصرة الأسرى بقضيتهم العادلة، وحريتهم وتضامنهم معهم.

وقال مؤسس ومدير منظمة القانون من أجل فلسطين، إحسان عادل، الذي أدار الندوة مع المتحدثين، إن "الأسرى الفلسطينيين حافظوا على انتمائهم الوطني  وسطروا صفحات مضيئة، وحققوا انتصارات عديدة، ونجحوا في انتزاع بعض من حقوقهم المسلوبة بفعل صمودهم ومقاومتهم للسجان وتضحياتهم خلف القضبان، ما يمنح يوم الأسير الفلسطيني الكثير من المعاني والدلالات والقيم، ليس لدى الفلسطينيين فقط وإنما لدى العرب وكل الأحرار في العالم".

بدورها، اعتبرت رئيسة دائرة الرصد والتوثيق في مؤسسة الحق، رولا شديد، أن موضوع الأسرى من أكبر المشكلات والقضايا التي تؤرق الفلسطينيين اليوم، خاصة في ظل عدم وجود محاكمات عادلة واستخدام التجريم والتعسف في القضايا النضالية وغياب القوانين التي تحقق العدالة"، مؤكدة على أن يوم الأسير هو تذكير بضرورة تحديد الإطار الرئيسي في التعامل مع الأسرى وقضاياهم، وإيجاد الحلول الأنسب للوصول إلى تحرير الأراضي والسجون معاً.

وبينت شديد أنه وخلال الفترة الماضية، زادت أعداد المعتقلين، وتفاقمت "السياسة القمعية" المستخدمة ضد الأسرى، في ظل ظروف قمعية تزداد سوءاً يوماً بعد يوم، لافتة إلى أن الاحتلال يستخدم بشكل واضح أدوات وخطابات استعمارية لقمع الشعب الفلسطيني وإسكاته.

من جهته، رأى مسؤول المناصرة وحقوق الإنسان في مؤسسة عدالة، أحمد خليفة، أن واحدة من الأزمات التي تواجه الفلسطينيين تتمثل في أن نظام القضاء الإسرائيلي "مهندس ومكيف"، على أن يكون حديثاً ويواكب حقوق الإنسان، وهو بالطبع عكس ذلك تماماً، منبهاً إلى أن إسرائيل أعلنت "حالة الطوارئ" منذ النكبة  ولم توقفها لغاية اليوم، وهو ما يتيح لها التعامل بشكل قمعي مع الفلسطينيين، وأيضاً إجهاض وتجريم النضال الفلسطيني.

وتحدث خليفة عن حقوق المعتقل "المفقودة"، وغيرها من أساليب التعذيب، إلى جانب منع لقاء الأسرى مع المحامين، مشيراً إلى اضطرار المعتقلين إلى أن "يحاكموا تحت قانون إحلالي واللجوء إلى القضاء والمحاكم الإسرائيلية، فمحاكمة الفلسطينيين تتم أصلاً ضمن قواعد عسكرية، للأسف".

وبشأن ما يواجه الأسرى من تحديات ومشكلات داخل السجون، ذهب القانوني في مؤسسة الضمير، صلاح حموري، إلى أن السجن آلة تدميرية ممنهجة تسعى لقمع الصوت الفلسطيني المطالب بالحرية والإنسانية، مشدداً على أن القضاء الإسرائيلي سواء أكان عسكرياً أم مدنياً هدفه الأول والأخير تدمير واستعمار الفلسطينيين وكسر الروح النضالية لهذا الشعب المقاوم. 

 

وبحسبه، فإن قضية الأسرى لا تقل عن أهمية عن أحقية العودة كمفهوم وقيمة، ويجب التضحية في سبيل إنهاء ما يمارسه الاحتلال من انتهاكات كبيرة ضد الفلسطينيين بهدف القضاء على هويتهم وإنسانيتهم،  وتحويلهم إلى عبء بشري على العالم كله.

 

وحول تزايد وتيرة الاعتقال الإداري في قطاع غزة، كشفت رئيسة وحدة المساعدة القانونية في مؤسسة الميزان، ميرفت النحال، عن أن الاعتقال في غزة يشكل خطراً كبيراً على المواطنين الفلسطينيين، لما يرافق هذه الاعتقالات من مخالفات خطيرة وممارسات غير آدمية، وخصوصاً إذا كانت على يد احتلال منهجه القمع،  والتنكيل والاضطهاد.

 

وبينت النحال أن أوامر الاعتقال الإداري تعود إلى أنظمة الدفاع لحالة الطوارئ التي أقرها الانتداب البريطاني عام 1945، وبدأت إسرائيل تطبيقه في الضفة الغربية وقطاع غزة مع احتلالهما عام 1967، إذ ومنذ ذلك الوقت، يدفع الآلاف من المعتقلين وعائلاتهم وأبنائهم أثماناً باهظة من أعمارهم وحياتهم الاجتماعية بسبب ذلك، بموجب أوامر اعتقال عسكرية لمدة تصل إلى ستة شهور، قابلة للتمديد دون سقف زمني.

أما مسؤولة الضغط والمناصرة الدولية في مؤسسة الضمير، ميلينا أنصاري، فأوضحت أنه  عندما يتم تأييد السجن والاعتقال بحق الفلسطينيين في جميع أنحاء فلسطين، فما هذه إلا محاولة للحد من النضال الفلسطيني وحرية الشعب في حق تقرير المصير، مشيرة في ذات الإطار إلى أن ما نحتاجه اليوم لا يتعلق بتحسين نظام الاعتقال الإداري، وإنما بإنهاء الاحتلال الاستيطاني الاستعماري المؤسسي ونظام الفصل العنصري الذي ينتهك كل حقوق الإنسان.

كانت تلك أبرز أوضاع الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين التي اتفق عليها المتحدثون، والذين أكدوا على ضرورة "الوحدة الوطنية" بين جميع أطياف الشعب الفلسطيني وإنهاء الانقسام، والسعي العملي لتحرير الأسرى، إلى جانب أهمية تحمل المجتمع الدولي مسؤولياته الأخلاقية والإنسانية والقانونية، والتدخل العاجل لحماية الأسرى، والإفراج الفوري عن المرضى، وكبار السن، والأطفال والنساء.