
الاقتتال في السودان.. ومخاوف الخروج عن السيطرة!
يُخشى اليوم، توسع وامتداد القتال الدائر في السودان بين حرب الجنرالات المشتعلة بين قائد الجيش عبد الفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي)، منذ منتصف أبريل/نيسان 2023 وحتى اليوم، في ظل انسداد الأفق السياسي، مما يثير مخاوف وخشية الدول المجاورة للسودان من تصاعد عمليات نزوح كبيرة، إذا ما انتقل الصراع عبر الحدود.
ويأتي ذلك على اعتبار أن حدة المعارك، بحسب مراقبين، لم يشهد مثلها السودان كدولة رغم عقود الاضطرابات والانقلابات التي عاشها. ويبدو اليوم أن جميع الاتصالات الدولية والإقليمية التي تجري في العلن وخلف الكواليس، تصب في خانة منع خروج النزاع عن السيطرة والحد من تداعياته وتأثيراته إلى خارج الحدود.
ويشترك السودان حدودياً مع سبع دول هي: مصر في الشمال، وليبيا في الشمال الغربي، وجنوب السودان (جنوباً)، وجمهورية أفريقيا الوسطى في الجنوب الغربي، وإثيوبيا في الجنوب الشرقي، وإريتريا شرقاً، وتشاد غرباً، ولو أضيف لها دول جوار الجوار فإن العدد سيزيد على 17 دولة يتجاوز تعداد سكانها 500 مليون نسمة، كل تلك الدول، ترتبط ارتباطاً وثيقاً باستقرار السودان سياسياً وأمنياً، بل واقتصادياً كذلك.
ورغم كل التحذيرات الأممية بشأن مخاطر تجاوز الحرب في السودان لحدودها الجغرافية الضيقة واحتمالية تحولها إلى حرب إقليمية أو دولية، فإن ارتدادات تلك المواجهات على دول الجوار الحدودية الملاصقة للسودان ستكون "قوية"، بل إن بعض الدول ربما تتعرض لهزات أمنية وسياسية عنيفة جراء ما يحدث في الداخل السوداني نظراً لحالة التشابكات والارتباطات المعقدة التي تربط بين دول الجوار تلك.
ومعلوم أن؛ الموقع الجيوسياسي المحوري لهذا البلد يقع في بؤرة الممرات المائية اللوجستية (عند تقاطع المحيط الهندي مع القرن الإفريقي والساحل والعالم العربي، كما يمر به نهر النيل وخطوط أنابيب النفط)، فضلاً عما يتمتع به من ثروات معدنية هائلة، وإمكانات اقتصادية قوية، كل ذلك جعل علاقاته بجيرانه مرتبطة بمصير واحد، فما يحدث في أي من تلك البلدان سرعان ما ينتقل صداه إلى الدول الأخرى.
مصر.. الأمن والماء والسياسة
تتقاطع مصر مع السودان في شريط حدودي يبلغ طوله 1276 كيلومترًا، يبدأ من جبل العوينات مع ليبيا ثم يتقدم شرقًا شمال بحيرة ناصر وينحرف شمالًا نسبيًا فيما يعرف بـ"نتوء وداي حلفا"، حيث يربط هذا الشريط الحدودي المتعرج شمالاً وجنوباً، شرقاً وغرباً، مصر والسودان برباط جغرافي يزيد تماسكه نهر النيل الذي يشق وسط السودان، قادماً من إثيوبيا، ومنه إلى الأراضي المصرية.
ولعل التأثير الأبرز لما يحدث في السودان على مصر يتعلق بالجانب الأمني، فاستقرار الوضع السوداني وفرض التهدئة والبعد عن الاضطرابات والحروب الأهلية وتجنب الولوج في صراعات هنا وهناك، هو الضمانة الوحيدة للحفاظ على الأمن القومي المصري، والعكس صحيح، فإن أي حراك من شأنه إحداث اضطرابات في الداخل السوداني يمثل تهديداً مباشراً للأمن المصري.
في ذات السياق، يمثل السودان ضلعاً محورياً في مفاوضات سد النهضة مع الجانب الإثيوبي، ولطالما توترت العلاقات بين الخرطوم والقاهرة بسبب تباين المواقف إزاء هذا الملف الذي يمثل قضية حياة أو موت للمصريين الذين يعتمدون على مياه النيل بصفة أساسية، ومن ثم فإن العبث بحصتهم السنوية يعني باختصار تعطيشهم وتهديد حياتهم وحياة أبنائهم.
وكذلك فكرة أن ينزلق السودان نحو آتون الاحتراب الأهلي، تحمل بين ثناياها الإبقاء على الجنوب المصري في خطر دائم، ليس الخطر الأمني فقط، بل خطر سياسي ولوجستي، إلى جانب أيضاً تزايد أعباء مصر الاقتصادية في حالة النزوح الجماعي السوداني والذي قد يزيد من تدهور الأوضاع المعيشية في مصر.
نحو جنوب السودان
على الجانب الآخر من السودان، يتدفق في الأيام الأخيرة الآلاف من لاجئي جنوب السودان عبر الحدود التي يبلغ طولها 1200 ميل بين الدولتين المتحاربتين، في رحلة عودة إلى جنوب السودان، وفقا لصحيفة واشنطن بوست.
وقالت الصحيفة إن جنوب السودان المنهكة من الحرب -إحدى أفقر دول العالم- غير مجهزة لاستيعاب اللاجئين السودانيين أو المغتربين العائدين، لافتة إلى أن حوالي 12 مليون شخص يعيشون في جنوب السودان، حوالي مليونين منهم نازحون داخلياً ويعتمد 75 % منهم على المساعدات الإنسانية، وفقًا لممثلة وكالة الأمم المتحدة للاجئين في البلاد ماري هيلين فيرني. فيما حوالي 2.3 مليون جنوب سوداني هم لاجئون في بلدان أخرى في المنطقة.
تأثير النزوح الإنساني.. السودانيون: ضحايا المطامع
ويبدو أن الصراع العسكري الدائر حالياً، ينطلق من الرغبة في الاستئثار بالحكم السياسي والنفوذ العسكري، إلا أن "الهم الأكبر" بحسب مراقبين، هو السيطرة على خيرات السودان من ذهب ونفط والنحاس واليورانيوم وغيرها، مما يجعل هذا البلد مطمعاً لقوى دولية وإقليمية تسعى للاستفادة من خيراته.
فحتى غاية اللحظة، نزح أكثر من 30 ألف شخص إلى تشاد وجنوب السودان وإثيوبيا وإفريقيا الوسطى، حسب تقديرات الأمم المتحدة، التي حذرت من وصول عدد النازحين إلى 270 ألف شخص في حال تواصل القتال. فيما يرى مراقبون، أن اشتعال الأوضاع داخل السودان سيتسبب في موجة لجوء غير مسبوقة نحو ثلاث دول، هي "تشاد وإفريقيا الوسطى وجنوب السودان"، إذ أن تلك التدفقات سوف تؤثر بشكل سلبي على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية على تلك الدول، نظراً لعدم امتلاكها القدرات لاستيعاب ذلك العدد الهائل من اللاجئين وتوفير الحد الأدنى من الحياة اللائقة لهم.
في جانب آخر، يزداد الوضع تفاقماً مع استمرار أعمال العنف والنهب، حيث تخشى منظمة الصحة العالمية كذلك من كارثة في النظام الصحي الذي كان أساساً هشاً في بلد هو من الأفقر في العالم. وتعمل 16% فقط من المنشآت الصحية في الخرطوم، لكنها تعاني نقصاً في المستلزمات وكوادرها الطبية منهكة.
الإسراع بحل الوضع السوداني
من هنا؛ فإن تأخر في حسم الصراع، قد تكون له تداعيات اجتماعية وعسكرية، وما قد ينجم من تنشيط لحركات الجماعات المتطرفة، والنزوح العابر للدول، وتهريب البشر، والهجرة غير النظامية، وتنشيط عمل العصابات.
لذا، وفي ضوء ما سبق، مطلوب إنهاء الحرب وتدارك الأمر على وجه السرعة لوقف التداعيات المحتملة في حال استمرار هذا الصراع، الذي لا تنحصر إرهاصته في الجغرافيا المسورة بالحدود الداخلية الأربعة للسودان، إنما تتجاوز ذلك إلى دول الجوار السبعة.
ومن المهم أيضاً، إتاحة الفرصة أمام وصول المساعدات الإنسانية إلى من هم في أمس الحاجة إليها، وكذلك للسماح للأشخاص الذين يحاولون الفرار من القتال بالقيام بذلك على نحو آمن، فضلاً عن ضرورة حماية المدنيين، بمن فيهم اللاجئين والنازحين، وضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني.