ملفات مقلقة على الساحة الإعلامية الأردنية.. "تيك توك" وضبط المنصات الرقمية والصحافة الورقية

منذ أواخر العام الماضي، والمحادثات مستمرة بين الشركة الحاضنة لـ"تيك توك" والسلطات الأردنية، حول حجب المملكة للتطبيق، والتي ترى بأنه تسبب بكثير من الضرر على بلادها وأمنها، خاصة بعد خسارتها لأحد أهم ضباطها، وما تبعها من تحريضات واسعة عقب إضراب سائقي الشاحنات الأخير؛ بسبب ارتفاع المشتقات النفطية في البلاد.

هذا الملف الذي يعتبر مهماً لشريحة واسعة من المواطنين ومستخدمي التطبيق، كان من بين أكثر الملفات قلقاً في عالم وسائل التواصل الاجتماعي والصحافة بشقيها الورقية والإلكترونية خلال الفترة الأخيرة، ما نبه الأردن ودول عربية عديدة إلى ضرورة تنظيم العلاقة مع شركات مواقع التواصل الاجتماعي العالمية.

الأسبوع الفائت؛ لبى موقع "هنا صوتك –صوت النهضة" التابع لمنظمة النهضة العربية (أرض)، دعوة الاستماع لوزير الاتصال الحكومي، الناطق الرسمي باسم الحكومة، فيصل الشبول، خلال أمسية لصالون "السبت الثقافي" التابع لأمانة عمان، لفهم تفاصيل مسودة الاستراتيجية والخطة التي قدمها الأردن لاجتماع وزراء الإعلام العرب في الكويت، والتي لاقت تأييداً ومباركة عربية للتعامل مع شركات الإعلام الدولية ومنصات البث الرقمي والتواصل، وذلك استلهاماً لتجارب عالمية وتحديداً الأوروبية في هذا السياق.

اللافت في هذا النقاش، الإجماع شبه الكامل من قبل الدول العربية "سائرة" حول ضرورة تنظيم العلاقة بين تلك المنصات الكبيرة، لضمان حقوق الإعلام المحلي العربي، وكذلك حماية المستخدمين العرب، حيث من المقرر إقرار مجلس وزراء الإعلام العرب في حزيران المقبل قانوناً عربياً استرشادياً في هذا الإطار.

هل يعود تيك توك إلى الأردن؟

الشبول، وفي رده على سؤال حول حجب الأردن لتطبيق "تيك توك"، بين أن إدارة التطبيق، شركة بايت دانس، والتي تعتبر هي المسؤولة عنه، "لم تلبِ بعد متطلبات الأردن لرفع الحظر عن المنصة، فرغم أن المدير الإقليمي للمنصة جاء إلى المملكة لرفع الحظر؛ لكن الأردن طلب عدة نقاط لم تلبها المنصة لغاية الآن"، منبهاً إلى أن "تيك توك" قالت إنها أزالت نحو 300 ألف مادة أو فيديو عن المنصة، كلها تبث الكراهية وتحض على التحريض ضد المجتمع واستقراره، إلا أنها اعترفت لنا بأن رقابتها على الفيديوهات ضعيفة!".

فيما تم رصد الكثير من الفيديوهات التحريضية والتي تستخدم خطاب الكراهية ضد المملكة ما تزال دون إزالة في "تيك توك"، وفقاً للشبول الذي أكد أنه عندما تلتزم هذه المنصة باشتراطات الأردن وتصبح أكثر تدقيقاً على خطابات الكراهية والتحريض والحسابات الكاذبة، فلن يكون هناك أية مشكلة حينها بعودتها.

حماية مجتمعاتنا وقيمها.. ضبط المنصات الرقمية

ملف آخر مقلق، دق ناقوسه الشبول، تمثل بدراسة أجريت بين وزارة الاتصال الحكومي، بالتعاون مع البنك المركزي الأردني، بينت أن حجم الإعلان على تلك المنصات من الأردن فقط بلغ العام الماضي نحو 81 مليون دينار، وهو ما يؤكد، بحسب الشبول، أهمية التباحث مع تلك الشركات العالمية للاتفاق على تنظيم العلاقة بينها وبين الدول العربية.

وعدد الشبول أربعة محاور للاستراتيجية التي ستتبلور بقانون استرشادي عربي، وأولها التعاون والتنسيق لإنصاف المحتوى الفلسطيني، ومراعاة خصوصيات الدول العربية والحق بالدفاع عن قضايانا العربية وعدم الإساءة لمعتقداتنا الاسلامية المسيحية والقومية.

كما تتضمن المحاور - حسب الشبول- حماية الأطفال والناشئة والفئات الأكثر هشاشة من المحتوى الضار، وأيضاً محاربة خطاب الكراهية، والتصدي للأخبار الكاذبة والاعتداء على الخصوصية، إلى جانب الحفاظ على حق وسائل الإعلام المحلية في سوق الإعلان، إضافة إلى التعامل مع الضرائب الرقمية.

وأشار إلى أن التوجه العربي مع منصات التواصل الدولية؛ يواكب "الممارسات الدولية" في مجال تنظيم عمل وسائل التواصل الاجتماعي، ومنصات البث الرقمي، وخاصة أوروبا التي وصلت دولها بعد إعاقات ومماطلات عديدة إلى اتفاق مع تلك الشركات العالمية لتنظيم العلاقة بين الطرفين وإلزام الشركات بفتح مكاتب قانونية في كل بلد أوروبي لتخضع للقوانين الأوروبية.

وبموجب التوجه العربي سيفرض على كل شركة ومنصة إنشاء كيان قانوني في كل دولة عربية يكون مرجعاً يحتكم إلى القوانين المحلية، في ظل وجود ما بين 150 إلى 170 مليون عربي هم مشتركون ومستخدمون لمنصات التواصل الاجتماعي المختلفة، حيث إن التقدم التفاوض الجماعي العربي مع هذه الشركات يصب لصالحنا، تماماً كما استفادت أوروبا من تفاوضها الجماعي.

الإجرام في العالم الافتراضي أيضاً!

لكن ما الهدف من تنظيم العلاقة بين الطرفين؟ الثابت أن المقصود ليس الحد من انتشار هذه المنصات والإعلام الرقمي، التي تعتبر تطوراً مهماً، بل وإحدى أهم الاختراعات التي قربت العالم والبشرية من بعضها، بل الهدف أساساً حماية مجتمعاتنا وقيمها والحد من انحياز هذه المنصات لأهم قضايانا ومبادئنا، خصوصاً في ظل انتشار خطابات الكراهية والتحريض ضد العرب والمسلمين على وجه التحديد.

في هذا المضمار، لنأخذ تجربة أوروبا التي أسست لقاعدة مهمة للتعامل مع هذه المنصات، يمكن إسقاطها أيضاً على التعامل مع الدول العربية، وهي قاعدة أن "كل ما هو مجرم في الواقع داخل الدولة هو مجرم في العالم الافتراضي"، فاستغلال الأطفال وخطابات الكراهية والتحريض على العنف والفتن والتحقير والتعرض للأعراض والحياة الشخصية للناس تجرمه القوانين المحلية في كل العالم، ويجب أن يجرم كذلك في العالم الافتراضي.

الصحافة الورقية .. والمطلوب أردنياً

في جانب أخر، فإن مواجهة خطاب الكراهية والتحريض والتنمر على الخصوصيات "يتم عبر دعم وتطوير وسائل الإعلام الأردنية، من صحافة مقروءة ومكتوبة وإلكترونية ومرئية ومسموعة، بحسب الشبول الذي لفت إلى أن أزمة الصحافة الورقية "مركبة"، ففي العالم كله تعاني حالياً لكن منها من استطاع تنظيم نفسه وتطوير عمله، فعبر الأزمة، ومنها من فشل في ذلك.

ويبدو اليوم أن حل أزمة الصحافة الورقية الأردنية لا يتم بقرار رسمي أو سحري، وهي أزمة متراكمة، ويحتاج التعامل معها بصورة أساسية إلى تطوير هذه الصحافة لعملها ومواكبة التقدم الرقمي والتميز بتقاريرها وتحليلاتها ومنتجها ومضمونها الإعلامي.

بالمجمل؛ فإن أزمات وسائل التواصل الاجتماعي والصحافة متعددة الأوجه والتحديات، وأهمها تلك المتسقة بخطاب الكراهية والأخبار الكاذبة والمضللة، ما يدعونا اليوم إلى ضرورة تعزيز التربية الإعلامية ونشر مفاهيمها بين الناس، وإدماجها في مساقات طلبة المدارس والجامعات، فضلاً عن ضرورة تثقيف الأفراد حول استخدام منصات التواصل وعدم انجرارهم نحو الذم والقدح والتحريض.