فرحة رمضان.. يحاصرها شبح الغلاء!

بين بهجة الناس بقدوم شهر الخير والبركة، رمضان المبارك، وبين التحسب والقلق من أعبائه المعيشية ومصاريفه التي تتجاوز عادة باقي الأشهر، وفيما يليه عيد الفطر المبارك الذي يرتب على الأسر أعباءً أكبر أيضاً يخرج منها المواطن مستنزف مالياً، تسرق الأزمات الاقتصادية والمعيشية فرحة مواطني غالبية الدول العربية، حيث يزداد الغلاء توحشاً، لتسقط ملايين الأسر في هوة العوز والحاجة، بينما تتخلى الكثير من الحكومات عن حماية القدرات الشرائية للمواطنين.

رمضان الكريم لم يزد مشكلة هذا الشرق المنكوب أصلاً، بل هي قصة ظروف وأوضاع معيشية قاسية وصعبة يعيشها العالم العربي بمختلف شرائحه، وتزداد تردياً وانحداراً في ظل ارتفاع الضرائب والأسعار وتآكل الأجور والمداخيل وارتفاع كلف المعيشة وتفشي البطالة بين الشباب، كل ذلك يواجهه عجز وفشل حكومي في معالجة هذه المشكلة الاقتصادية أو على الأقل الحد من غلوائها.

حديثنا عن رمضان وأعبائه المالية والمعيشية، يتزامن مع تزايد التحذيرات من ارتفاع أسعار السلع خاصة المواد الغذائية والأساسية، ويذهب البعض إلى ضرورة تشديد الحكومة على مراقبة الأسواق وضبط الأسعار وعدم انفلاتها ما يزيد من أعباء الناس، بينما يذهب البعض، بل الكثيرون، إلى مطالبة الحكومة والبنوك بتأجيل قسطي قروض الشهرين المقبلين لتوفير السيولة لدى المواطنين، وأغلبهم غارقون في الديون والقروض من البنوك، لتمكين الناس من تلبية احتياجات رمضان وعيد الفطر من جهة، وأيضاً تحريك عجلة الاقتصاد والسوق بتوفير السيولة لدى الناس.

الارتفاع الجنوني لأسعار اللحوم والدواجن والأرز والسكر وحليب البودرة والأجبان والبقوليات، مع ارتفاع قريب سيطال اللحوم المستوردة على وجه التحديد، بسبب ارتفاع أسعار الذرة والصويا التي تدخل في خلطات الأعلاف والتي تنتجها بالدرجة الأولى روسيا وأوكرانيا.

عربياً وعالمياً، تشير البيانات المتاحة إلى أن هناك أكثر من 22 دولة حول العالم حظرت تصدير سلع ومنتجات رئيسية لعدم تعريض أمنها الغذائي للخطر، والحفاظ على استقرار الأسواق المحلية، وكبح أي غلاء متوقع في الأسعار.

في حين فرضت دول أخرى قيوداً شديدة على صادرات بعض السلع الأساسية لتنجو هي الأخرى من أزمة جوع قاتمة هي الأخطر في التاريخ الحديث، أو على الأقل تفعل ذلك تحسباً لحدوث نقص في الأسواق العالمية أو المحلية على حد سواء.

ما المطلوب هذه الفترة؟ رغم أهمية مطالبة الحكومة بتشديد رقابتها على الاسواق والسلع وضرورة توفيرها بكميات مناسبة، وأيضاً تأجيل أقساط القروض البنكية، إلا أن هذه الحلول مجرد "ترقيعية" أكثر منها جذرية، فالمطلوب أكبر من ذلك ويحتاج لمبادرات حكومية حقيقية تستجيب للمشكلة في أساسها.

وبالتأكيد؛ ثمة حلول مطلوبة على المستوى الاستراتيجي لمعالجة المشكلات الاقتصادية والمعيشية للناس، ليس في رمضان والعيد فقط، بل بشكل عام، قد يكون أهمها في تغيير النهج الاقتصادي من نهج قائم على الضرائب والرسوم دون الالتفات لما يخلفه ذلك من أعباء واحتقانات شعبية وتردي اقتصادي يضرب جميع القطاعات الاقتصادية في البلد إلى نهج اقتصادي قائم على الإنتاج الصناعي والزراعي، وتعظيم عوائد السياحة والتقنين في الإنفاق العام وغيرها من حلول والمقترحات.

وبرأيي؛ ليس فقط مهماً الرقابة على الأسواق وضبطها، بل ضروري الإسهام رسمياً في خفض الأسعار أو منع رفعها عبر تقديم حزمة إعفاءات ضريبية لمواد اساسية وأغذية كالأرز والسكر والزيوت والدجاج واللحوم وغيرها، حتى لو كانت هذه الاعفاءات الضريبية مؤقتة لتجاوز رمضان وأعبائه المالية على الأسر والشرائح الفقيرة والمتوسطة، فبذلك نخفف من الأعباء المالية على الناس ونحد من ارتفاع الأسعار عليهم من جهة، ومن جهة اخرى نحرك السوق والحركة التجارية فيه، وهو أمر ترتد فوائده على الخزينة ومداخيل الحكومة.

نعم؛ نحتاج لإرادة سياسية وفهماً حقيقياً للمشكلة، مع أهمية وعي الناس والمجتمع بتغيير الكثير من العادات والتقاليد المجتمعية الخاطئة ومحاولة التكيف مع الأوضاع الصعبة لأسرهم، فالكثير من الإنفاق في الشهر المبارك يدخل في باب التزيد والتبذير الذي كان يمكن أن يفهم في ظروف سابقة كانت أفضل وأرحب مالياً ومعيشياً للناس، لكن اليوم فثمة أعباء تقصم الظهور وتحتاج قدر الإمكان إلى إعادة تقدير وضبط.

رمضان مبارك، وكل عام وأنتم وعائلاتكم بألف خير.