
حالة حقوق الإنسان .. وإشكالية التعبير عن الرأي!
بشكل جليّ، ومرة أخرى، يؤشر التقرير السنوي الثامن عشر لحالة حقوق الإنسان لسنة 2021، الصادر عن المركز الوطني لحقوق الإنسان، الأسبوع الماضي، إلى إشكالية توقيف الأفراد على خلفية التعبير عن آرائهم، في ظل استمرارية المشكلات المتعلقة بتطبيق نص المادة 11 من قانون الجرائم الإلكترونية رقم 27 لعام 2015.
فخلال العام 2021 بلغ مجموع القضايا في هذا السياق نحو (4030) قضية مقارنة بـ 2140 قضية في العام 2020، في تزايد ملحوظ لأعداد قضايا حرية الرأي والتعبير في المملكة، ووسط مطالب واسعة بإلغاء المادة 11.
المطالب المتمثلة بإلغاء المادة لم تأت من فراغ، وإنما لأسس واعتبارات عدة، أهمها أن القواعد العامة في قانون العقوبات رقم 16 لسنة 1960، والمتعلقة بتجريم الذم والقدح هي قواعد كافية ولم يكن هناك من اعتبارات قانونية تستدعي استحداث نص خاص يتعلق بالجريمة ذاتها في حال وقعت بواسطة استخدام الوسائل الإلكترونية.
فالوسيلة؛ كما نعلم، ليست عنصراً من عناصر التجريم، والوسائل الإلكترونية أصبحت وبحكم القانون من الوسائل العلنية المنصوص عليها في المادة 73 من قانون العقوبات والتي تقع بها جريمة الذم أو القدح، أي أن نص المادة 11 أصبح ليس له لزوم.
ومن هنا كانت البداية مع قيد جديد على حرية الصحافة بسند قانوني؛ فكما هو معروف فإن المادة (123/4) من الدستور الأردني منحت القرار الصادر عن ديوان تفسير القوانين قوة القانون؛ مما يعني أنه أصبح جزءاً من القانون العادي.
وتنص المادة 11 على أن "يعاقب كل من قام قصداً بإرسال أو إعادة إرسال أو نشر بيانات أو معلومات عن طريق الشبكة المعلوماتية أو الموقع الإلكتروني أو أي نظام معلومات تنطوي على ذم أو قدح أو تحقير اي شخص بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر وبغرامة لا تقل عن (100) مائة دينار ولا تزيد على (2000) ألفي دينار".
وبالرجوع إلى توصيات التقرير التي تشكل مدخلاً أساسياً للإصلاح الحقوقي والإنساني، برز فيه أهمية بناء سياسات قادرة على تحقيق مضامين العدالة الاجتماعية وتوزيع الثروات والخدمات بصورة تحقق عناصر التنمية المستدامة، وتحد من ظاهرة البطالة، وتقلل نسب الفقر إلى أدنى مستوياتها، فضلاً عن إدماج مفاهيم حقوق الإنسان وتجسيدها في المناهج التعليمية، وبناء الشراكات مع المؤثرين وقادة الرأي في مختلف محافظات المملكة.
وفي مجال التشريعات؛ جدد التقرير دعوته لمأسسة نظام وطني فاعل من أجل التشريع، يهدف إلى تحقيق التواصل بين التشريع والمجتمع، ويرتكز على عدد من الأسس المعيارية كالشراكة بين التنظيمات الاجتماعية والحكومة والبرلمان والمجتمع المدني في العملية التشريعية، وتحليل الظواهر الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية في المجتمع من خلال دراسات أثر للتشريعات المقترحة، مع التأكيد، أيضاً على أهمية مراجعة الممارسات المتعلقة بالحريات العامة والتقييدات المفروضة عليها، بما يتواءم مع الدستور الأردني والمعايير الدولية لحقوق الإنسان.
وبحسب التقرير، فإن العام 2021 شهد انخفاضاً ملموساً بأعداد الموقوفين إدارياً وقضائياً وفق للإحصائيات الواردة من أجهزة إنفاذ القانون المختلفة، وفي الوقت ذاته سجل المركز عدم تنفيذ أي عقوبة إعدام عام 2021، فيما أصدرت محكمة أمن الدولة ومحكمة الجنايات الكبرى خلال العام ذاته (31) حكماً بالإعدام.
وبين أن عدد الأشخاص الذين أودعوا في مراكز الإصلاح والتأهيل خلال العام ذاته بلغ نحو (18.954) نزيلاً مقارنة بـ (17.708) خلال العام 2020، في حين ان الطاقة الاستيعابية لهذه المراكز هي (13.35)، إلا أن هذا الرقم لا يمثل أعداد النزلاء في وقت واحد، وإنما يشمل التوقيفات والإفراجات المستمرة طيلة العام.
وللعام الثالث على التوالي، لم تسجل لدى النيابة العامة الشرطية أي شكوى بحق العاملين في مديرية الأمن العام التي تتعلق بشكاوى التعذيب والمعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة لدى المحتجزين في مراكز التوقيف الأولي.
وعلى صعيد الحقوق المدنية والسياسية، يسجل التقرير خطوة إيجابية في تحديث المنظومة السياسية، عبر تشكيل لجنة ملكية للتأسيس لمرحلة متقدمة في أسلوب ممارسة السلطة التنفيذية أعمالها من خلال تطوير التشريعات الناظمة للحياة السياسية بحيث تصبح منظومة العمل الحزبي البرامجي التعددي المتدرج جزءاً أساسياً من النظام السياسي الأردني.
وبشأن عمليات التقاضي، رصد التقرير توسعاً خلال العام 2021 في استخدام التقنيات الحديثة في التقاضي، إلا أن ذلك لم يمنع من رصد تحديات ملموسة في تجربة عقد المحاكمات عن بعد، فيما شهد العام ذاته إقرار وثيقة الجلوة العشائرية، التي تختص بمعالجة الآثار السلبية لتقاليد وعادات شائعة كان لها أثراً على تمتع الأفراد بحق الإقامة والتنقل.
وعلى صعيد محور حقوق الفئات الأكثر حاجة للحماية، فتشير البيانات والمعلومات الواردة في التقرير إلى التطورات التشريعية التي كان لها الأثر في تعزيز وحماية حقوق المرأة والأشخاص ذوي الإعاقة وكبار السن.
كما شهد عام 2021 سن القانون المعدل لقانون منع الاتجار بالبشر رقم (10)، حيث يرى التقرير أن القانون المعدل استحدث أحكاماً تضمّنت إدراج التسول المنظم ضمن مفهوم جريمة الاتجار بالبشر، إضافة الى إنشاء "صندوق مساعدة ضحايا الاتجار بالبشر"، والمخصص لتقديم المساعدة القانونية للمجني عليهم والمتضررين، وبما يعزز الحماية القانونية من مظاهر استغلال الأطفال في جريمة التسول.
كما يشير التقرير إلى السياسات المتخذة والممارسات الفعلية لإعمال حقوق المرأة، لا سيما في قضايا النساء العاملات في القطاع الزراعي، والنساء ضحايا العنف في الدور الإيوائية، وجرائم قتل النساء، وظاهرة الزواج المبكر؛ حيث شهد العام 2021 إطلاق الخطة التنفيذية لمصفوفة الأولويات الوطنية لتعزيز منظومة الحماية من العنف المبني على النوع الاجتماعي والعنف الأُسري وحماية الطفل للأعوام (2021-2023)، والتي تهدف إلى تعزيز منظومة حماية الأسرة والحد من العنف الأسري وحماية الطفل على المستوى الوطني.
بالنتيجة؛ كل ما ورد في التقرير مهم ويصب في تحسين الحالة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للأردنيين، لكننيّ أعتقد أن هناك حاجة تشريعية ملحة تستدعي مقاربة نص المادة 11 من قانون الجرائم الإلكترونية في إطار نص المادة 128/1 من الدستور الأردني التي أكدت على أن القوانين التي تصدر بموجب الدستور لتنظيم الحقوق والحريات يجب ألا تؤثر على جوهر هذه الحقوق أو تمس أساسياتها.
تلك المقاربة أمست ضرورية إذا ما أردنا لحرية التعبير أن تمارس دورها في تعزيز قيم المساءلة والمحاسبة وترسيخ قيم التعددية وبناء المنظومة الديمقراطية التي تعد حرية التعبير عمادها ومرتكزها الأساسي، والأهم؛ مراجعة شاملة للمادة 11 لإزالة أي خلل أو تشوهات قانونية تعتري منظومة حرية الصحافة والإعلام وتعيقها من أداء دورها وواجباتها.