انتبهوا للشباب.. ماذا ينقصنا لننهض بهذه الطاقات؟

ثمة مؤشرات كثيرة تدل على حيوية المجتمع، وقدرته على النهوض والاستجابة للتحديات التي تواجهه، ولعل أهم هذه المؤشرات ما ينبثق عن المجتمع من مبادرات، تكون عوناً على الارتقاء بشرائحه المتعددة، لاسيما الأكثر احتياجاً؛ سواء فيما يتعلق بالرقي المعنوي، كالتعليم والتوجيه والتعريف بالحقوق؛ أو الرقى المادي كتوفير بعض الاحتياجات الضرورية من الغذاء والدواء والكساء، وغيرها.

هذه المبادرات المجتمعية ضرورة حضارية ونهضوية، وأساسها اليوم الشباب، لكن كيف نعزز دورهم في تعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، بدءاً بالاستثمار في تعليمهم وتدريبهم وتأهيلهم، وحثهم على التفكير والتحليل والإبداع والتميز، مروراً بتوفير البيئة المناسبة لمشاركتهم في العمل والبناء، وانتهاءً بتعزيز انتمائهم الوطني وممارسة دورهم الفاعل في شؤون الوطن؟

ونقصد بالمبادرات الشبابية؛ تلك الأنشطة والمشاريع التي يقوم الشباب بالتخطيط لها وتنفيذها في مجتمعاتهم لتحقيق هدف ما، أو لمجابهة تحدٍ أو سد نقص في مجتمعاتهم بمنظور شبابي ابتكاري، ضمن إطار زمني محدد.

ولنتفق أولاً؛ إلى حاجتنا لدعم الهيئات الشبابية في المملكة والوطن العربي ككل، وتوسيع مجالات المشاركة والمساهمة في إعداد البرامج والخطط لتنمية النشاط الشبـابي الحر، ما يدعونا لإرساء بيئة جيدة ومتينة وحقيقة أمام الشباب وتمكنهم من التعلم من خلال الممارسة الفعلية للعمل الاجتماعي على أرض الواقع.

 وفق ذلك، من المهم والضروري للحكومات والمجتمع المدني والمؤسسات كافة، تشجيع واستقطاب المواهب الشبابية للتعرف على اهتماماتهم ومواهبهم وصقل شخصياتهم لخدمة مجتمعاتهم بطريقة مختلفة، فالعمل الشبابي يحتاج إلى استراتيجيات وخطط مدروسة يمكن تنفيذها والاستفادة منها، وبدون ذلك سيبقى حديثنا في هذا السياق حبراً على ورق.

ولو نظرنا إلى المبادرات الشبابية في الوطن العربي التي أثبتت نجاحها وتأثيرها الإيجابي بهدف نشر الفائدة وتسليط الضوء على قصص النجاح، لرأينا مؤسسات ضخمة وكبيرة تعمل على توفير المراجع النوعية والمنصات التفاعلية التي تهدف إلى تشجيع الشباب العربي بمشاركة أحلامهم، وقصص نجاحهم، والدروس المستفادة من خبراتهم إيماننا بقدراتهم وإمكاناتهم، وليكون لهم دور في تشكيل وعي عربي مشترك مبني على الأمل والاستمرارية.

فعلى سبيل المثال؛ لدينا مؤسسات في الأردن، كمؤسستي ولي العهد نهر الأردن وجيل بلا حدود تستهدف آلاف الشباب سنوياً من جميع محافظات المملكة، وذلك بهدف التوسع والنمو ليطال التأثير الإيجابي الجيل بأكمله، وكذلك لضمان مشاركتهم الكاملة من خلال توفير منصات ترفع أصوات الشباب وتمكنهم من تعزيز قدراتهم لإحداث الفرق.

أما عربياً؛ فهناك أيضاً مبادرات كثيرة تعنى بالشباب، مثل مبادرة "طور وغير" التي تسعى لتأهيل الشباب وتزوديهم بالمهارات التقنية والرقمية المتطلبة لسوق العمل، فضلاً عن مباردة "شبابنا" الهادفة لتثقيف الشباب سياسياً ومدنياً، ومبادرة "سوق مشاريع الشباب العربي" وهو سوق إبداعي يعرض أفضل المشاريع الشبابية الرائدة في العالم العربي والأفكار المبتكرة والجديدة، بغرض ربطها مع المستثمرين لإيجاد التمويل لها، بالإضافة إلى مبادرة "حلول شبابية" وهي مسابقة مبتكرة، تمنح الفرص للشباب العربي لعرض ابتكاراتهم وحلولهم المختلفة لأبرز التحديات.

بالمحصلة؛ إن تنفيذ المبادرات الشبابية، وهو حق مشروع للشباب، يتطلب توفر البيئة الداعمة لضمان نجاحها وفعاليتها. وهنا؛ يقع على عاتق الحكومات والمؤسسات التنموية وأجب توفير بيئة آمنة وتفعيل استراتيجيات وأدوات دعم لهذه المبادرات، وتأمين ما يلزم لتعزيز فرصها في النجاح.

ولا نغفل أيضاً أن هذه المبادرات تلعب دوراً كبيراً في ترسيخ ثقافة التطوع، مما يقع على عاتق الجميع بناء قدرات الشباب وإعداد برامج تأهيلية، عبر تعزيز الشراكات بين الحكومة والمجتمع المدني والقطاع الخاص، وذلك كله وفقاً لاحتياجات الشباب والمجتمع.

وحتى تكون مشاركة الشباب جادة وواعية ومسؤولة في العمل التطوعي، من الضروري توفير الفرص لهم للإسهام الفعال في أعمال التطوع التي تنعكس إيجاباً على حياة الشباب وأسرهم على حدٍ سواء، ولعل أبرز تجليات ذلك التغيير الذي يلامس الذهنية والعقلية والقيم في الاندماج في الهم العام والرغبة في القيام بأدوارهم ومسؤولياتهم.

الواقع يقول إن الجميع عليه دور في هذه المرحلة شديدة الحساسية، ملزم بأن يتحمله. فماذا علينا أن نفعل؟ برأيي؛ مطلوب تأمين الدعم للشباب لتنفيذ مبادراتهم بطريقة آمنة، ومتابعة مشاركة الشباب بحيث لا تقتصر فقط على الجانب التطبيقي بل تشمل جميع مراحل تنفيذ المشاريع من التخطيط والتنفيذ والتقييم لضمان مشاركتهم الحقيقية في التنمية المجتمعية.

فالمشاركة الشبابية تتعدى نظرة البعض بأنها منة أو ترف ومشتتة لطاقات الشباب، فهي حق لهم وفرصة للمساهمة في خدمة الآخرين والمشاركة المجتمعية ولها دور كبير في سد الفجوة بين مختلف الأجيال... وأعلم أن العبء كبير، لكن يجب النظر إلى دور هذه المؤسسات المدنية والوطنية العاملة مع الشباب بأهمية والتفات أوسع.