بين نكبة الحرب والزلزال.. اسمعوا نداءات اللاجئين!

بعد حرب مهلكة، شردت ملايين السوريين، تطل علينا نكبة جديدة، لكن هذه المرة نتيجة زلزال تمكن خلال ثوان معدودة من إحداث دمار تعجز عنه أعتى الأسلحة، حيث حول أحياء كاملة إلى ركام وقتل وأصاب آلاف الأشخاص، فارضاً على السوريين ألماً مريراً ونزوحاً جديداً.

المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين؛ تقدر أن نحو 5.3 ملايين شخص صاروا "مشردين بلا مأوى في سورية بسبب الزلزال، الذي وقع فجر الإثنين في السادس من فبراير/ شباط الجاري في تركيا وسورية".

الحكومة السورية وهيئات إغاثية أعلنت أن نحو 1,444 شخصاً قتلوا في سوريا؛ وتحديداً في مناطق: إدلب وحماة وحلب واللاذقية وطرطوس، فيما تؤكد منظمة الدفاع المدني السوري "الخوذ البيضاء"، العاملة في مناطق الشمال، على أن "حصيلة ضحايا الزلزال في شمال غربي سورية ارتفعت لأكثر من 790 حالة وفاة وأكثر من 2200 مصاب والعدد مرشح للارتفاع بشكل كبير بسبب وجود مئات العائلات تحت الأنقاض".

اللافت في هذا السياق؛ ألم يكفي السوريين نكبة الحرب وويلاتها؟ فقبل الزلزال كان ثمة 6.8 ملايين نازح تقريباً في سورية، نتيجة الحرب في البلاد منذ عام 2011، والآن آلاف الأشخاص باتوا لاجئين ونازحين بسبب كارثة طبيعية، أضافت أزمة أخرى أكثر وجعاً.

ورغم المأساة التي يعيشها السوريين من قصف وقتل وتهجير ونزوح ولجوء، يأتي الزلزال ليزيد الطين بلة والمعاناة فوق الأخرى، خصوصاً في ظل تقطع السبل بين كثيرين منهم وعائلاتهم اللاجئة في دول العالم، منها في الأردن ولبنان وتركيا حيث يتجرع عدد من اللاجئين الألم مضاعفاً، بعد وفاة أو فقدان أبنائهم وأقاربهم وعجزهم عن العودة إلى بلدهم لدفنهم أو متابعة آخر المعلومات عن عمليات انتشال من بقي منهم حياً تحت الأنقاض.

ولا تختلف أيضاً أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في مخيمات الشمال السوري، فهناك عائلات بأكملها بين قتيل ومصاب ومفقود وشريد، ولا سيما في مخيمي" النيرب وحندرات" في محافظة حلب، ومخيم الرمل في اللاذقية. فلم يكفِ الفلسطينيين ألم اللجوء والحروب وعدم الاستقرار، طوال عقود ممتدة، حتى عاجلهم الزلزال، وهم وإخوتهم من السوريين، تاركاً منازلهم المتواضعة، أثراً بعد عين.

حالة المخيمات في سوريا، لا تختلف عن مثيلاتها في الشرق الأوسط، فالمأساة كالعدوى تنسحب عليهم جميعاً، من خلال سوء البناء والتمديدات الصحية والكهربائية العشوائية، وتواضع الخدمات المقدمة. كل ذلك وسواه، ترك المخيمات في حالة يرثى لها، لا مناعة لديها لمواجهة أي طارئ، وهو حدث خلال الزلزال المدمر، ليجد اللاجئون أنفسهم، وحيدين يواجهون الموت.

من دون تجميل، المشهد مأساوي، معالم اختفت، ومنازل سحقت، وعداد الموت حصد الكثير من الأرواح البريئة، ومع كل ساعة تمر على السوريين تتعاظم المأساة أكثر فأكثر، ويتسع حجم الألم. عائلات بأكملها محيت، وأخرى نجا منها فرد أو اثنان، والعالم في غفلة، ينظر بعين ويعمي أخرى.

فوسط مشاهد حزينة للغاية، حفرت في الأذهان، وأضافت إلى تاريخ النوائب السورية ما يكفي للبكاء طويلاً، يخرج طفلٌ بعد خمسين ساعة من تحت الركام، وأم فارقت الحياة، وهي تضم إلى صدرها فلذات أكبادها، ورجل بقي ممسكاً يد ابنته، التي ودعت شبابها، والعديد من القصص المؤلمة.

ما يحصل يستدعي وقفة، وتدخل فوري لتقديم كل ما يلزم من احتياجات اللاجئين والضحايا المتضررين، خصوصاً في ظل الحصار والصعوبة في إيصال المعونات. ومطلوب دولياً وإنسانياً اليوم التضامن الإنساني بيننا كأمم، وإلى مقاربات جديدة واتفاقات دولية تراعي أساساً إنسانية اللاجئين والمهجرين وتضمن حقوقهم، مع استمرارية الحوار بين المجتمع المدني والحكومات والجهات الدولية لإدراج حمايات اللاجئين والنازحين في نظم الحماية الاجتماعية.. والأهم أيضاً؛ التزام المجتمع الدولي بتوسيع نطاق الدعم في مجال المعونات الإغاثة الإنسانية.