
المؤشر العربي 2022.. توق للانفراج الاقتصادي ورفض للتطبيع
متوقع وغير جديد، ما كشفته نتائج المؤشر العربي 2022، وتحديداً بما يتعلق بالأوضاع الاقتصادية لمواطني المنطقة العربية التي جاءت "غير مرضية على الإطلاق، باستثناء مستجيبي بلدان الخليج، فإن أغلبية مواطني البلدان العربية هم ممن يقعون ضمن أسر الكفاف والعوز".
نتائج المؤشر العربي 2022، نشرها المركز العربي للأبحاث والدراسات السياسية في قطر/ الدوحة، الثلاثاء 3 كانون الثاني/ يناير، ونفذ في 14 بلداً عربياً، هي: موريتانيا، والمغرب، والجزائر، وتونس، وليبيا، ومصر، والسودان، وفلسطين، ولبنان، والأردن، والعراق، والسعودية، والكويت، وقطر؛ بهدف الوقوف على اتجاهات الرأي العام العربي نحو مجموعة من الموضوعات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
فيما يعد هذا المؤشر المستمر تنفيذه منذ عام 2011، أضخم مسح للرأي العام في المنطقة العربية سواء أكان ذلك من خلال حجم العينة، أم عدد البلدان التي يغطيها، حيث أظهرت نتائج المؤشر لعام 2022 أن الرأي العام منقسم بين من يرى أن الأمور في بلدانهم تسير في الاتجاه الخاطئ، ومن رأى أنها تسير في الاتجاه الصحيح، لكن العامل الاقتصادي شكل السبب الأول للجميع، فيما توزعت باقي الأسباب بين الأوضاع السياسية غير المستقرة وسوء الإدارة والسياسات العامة للدولة.
أداء الحكومات
عكست النتائج أن ثقة المواطنين بمؤسسات الدولة في بلدانهم متباينة، ففي حين أن ثقتهم مرتفعة وبخاصة بمؤسسة الجيش والأمن العام، فإن الثقة بسلطات الدولة القضائية والتنفيذية والتشريعية أضعف من ذلك. ونالت المجالس التشريعية (النيابية) أقل مستوى ثقة. وتشير النتائج إلى أن تقييم أداء الحكومات على مستوى السياسات الخارجية، والسياسات الاقتصادية، وفي مجموعة من السياسات العامة والخدمات، غير إيجابي إجمالاً. كما أن الرأي العام شبه مجمع على أن الفساد المالي والإداري منتشر في بلدانه.
وتشير البيانات، على مدار ثماني استطلاعات (منذ عام 2011)، إلى أن تصورات المواطنين وآراءَهم تجاه مدى انتشار الفساد في بلدانهم لم تتغير على نحوٍ جوهري. ويعد مستجيبو بلدان المشرق الأكثر تأكيداً على انتشار الفساد في بلدانهم، بينما كانت أعلى نسب رأت عدم انتشار الفساد هي في بلدان الخليج.
أما على صعيد رؤية المواطنين لمدى تطبيق دولهم للقانون بالتساوي بين الناس، فتوزعت النسبة الأكبر من المستجيبين بين من رأوا أن دولهم تطبق القانون بالتساوي بين المواطنين، وبين من رأوا أنها تطبّق القانون، ولكنها تحابي بعض الفئات، أي تميز لمصلحتها، ورأى حوالي ربع المستجيبين أن دولهم لا تطبق القانون بالتساوي على الإطلاق. بينما عبر مستجيبو المشرق بنسب أعلى من غيرهم في الأقاليم عن أن الدولة في بلدانهم لا تطبق القانون بالتساوي بين الناس.
· الانحياز للديمقراطية
أظهرت نتائج المؤشر أن الرأي العام شبه مُجمع على تأييد الديمقراطية. وتُظهر مقارنة نتائج هذا الاستطلاع بالاستطلاعات السابقة أن انحياز الرأي العام إلى الديمقراطية لا يزال ثابتاً.
وقد قابل توافق الرأي العام على تأييد الديمقراطية، تقييمٌ سلبي لواقع الديمقراطية ومستواها في البلدان العربية؛ إذ يرى المستجيبون أن الديمقراطية في العالم العربي بحسب وجهة نظرهم لا تزال في منتصف الطريق. يذكر إن تقييم الديمقراطية في مؤشر 2022 هو أقل من ذلك الذي سُجّل في استطلاع 2019/ 2020.كذلك، أظهر الاستطلاع أن قدرة المواطنين على انتقاد حكوماتهم محدودة حيث حصلت مصر وفلسطين والسعودية على أقل الدرجات على هذا المقياس.
· الربيع العربي
انقسم الرأي العام العربي نحو تقييم ثورات الربيع العربي في عام 2011 وسجلت أعلى نسب التقييم الإيجابي لثورات الربيع العربي في الكويت ومصر. ورأى المستجيبون أن أسباب اندلاع هذه الثورات والاحتجاجات الشعبية لعام 2011 كانت ضد الفساد، والوضع الاقتصادي السيء، ومن أجل التحول إلى الديمقراطية، وإزاحة الأنظمة السلطوية.
كما انقسم الرأي العام العربي بين متفائل ومتشائم نحو واقع ثورات الربيع العربي ومستقبلها؛ فمنهم من رأى أنّها تمرّ بمرحلة تعثّر، إلّا أنّها ستحقق أهدافها في نهاية المطاف، وفي المقابل يرى آخرون أنّ الربيع العربي قد انتهى وأنّ الأنظمة السابقة عادت إلى الحكم.
· المحيط العربي
أما على صعيد المحيط العربي، فقد أظهرت النتائج أن أغلبية الرأي العام العربي يرى أن العرب يمثّلون أمة واحدة، وإن تمايزت الشعوب العربية بعضها عن بعض. وبشأن تهديد أمن المنطقة واستقرارها، فأظهرت النتائج أن الرأي العام متوافق وشبه مجمع على أن سياسات الاحتلال تهدد أمن المنطقة واستقرارها. وكذلك السياسات الأميركية.
وفي إطار التعرف إلى آراء المستجيبين في القضية الفلسطينية، خاصة في هذه المرحلة التي يتحدث فيها خبراء وسياسيون كثيراً حول فك الارتباط العربي بالقضية الفلسطينية، فإن النتائج تشير بشكل جلي إلى أن المجتمعات العربية ما زالت تعتبر القضية الفلسطينية هي قضية العرب جميعاً، وليست قضية الفلسطينيين وحدهم.
ويعكس تقييم الرأي العام لسياسات بعض القوى الدولية والإقليمية تجاه فلسطين عدم ثقته بها؛ إذ إن أكثرية الرأي العام تنظر بسلبية إلى سياسات الولايات المتحدة الأميركية وروسيا وإيران وفرنسا تجاه فلسطين. بينما انقسم الرأي العام العربي في تقييم السياسات التركية تجاه فلسطين بين من قيموها سلبياً ومن قيّموها إيجابياً.
أما على صعيد الاعتراف بإسرائيل والتطبيع معها، فإن النتائج أظهرت أن غالبية مواطني المنطقة العربية يرفضون الاعتراف بها، مفسرين موقفهم بعددٍ من العوامل والأسباب؛ معظمها مرتبطٌ بطبيعتها الاستعمارية والعنصرية والتوسعية.
· منصات التواصل الاجتماعي
أفاد معظم الذين شملهم الاستطلاع بأنهم يستخدمون شبكة الإنترنت، وتعتمد النسبة الأكبر منهم على الهواتف المحمولة لتصفح الانترنت، ولدى جميعا تقريباً حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي حيث احتل تطبيق فيسبوك المرتبة الأولى، وتتعدد أسباب استخدام وسائل التواصل الاجتماعي ودوافعه، إلا أن النسبة الأكبر أفادت بأنها تستخدم الإنترنت من أجل التواصل مع الأصدقاء والمعارف، بينما أفادت نسبة أقل بأنها تستخدمها من أجل مواكبة الأحداث الرائجة (تريند)، أو لملء الفراغ.
يلاحظ أن أقل المجتمعات استخداماً لوسائل التواصل للتفاعل مع قضايا سياسية كان المجتمع الأردني؛ وبشكل عام فإن إقليم المشرق العربي هو الأقل استخداماً لوسائل التواصل الاجتماعي للتفاعل مع قضايا سياسية.
فيما تباينت النتائج بين بلد وآخر، بخصوص المؤثرين ومتابعتهم، حيث أفادت الأغلبية في كل من الجزائر، وتونس، وفلسطين بأنها لا تتابع المؤثرين. أما الأغلبية في كل من الكويت، ومصر، وموريتانيا، وقطر، والمغرب فأفادت بأنها تتابعهم، وخصوصاً في مجال الرياضة.
بالنتيجة؛ لا شك أن المؤشر العربي في دورته الجديدة لا يزال يحافظ على أهميته بوصفه مصدر بيانات مفتوحاً للمهتمات والمهتمين بمتابعة الرأي العام العربي وتغيراته، سواء كانوا أكاديميين وباحثين، أو صناع قرار، أو إعلاميين، أو خبراء.