التحديث السياسي والشباب.. الثقة أولاً!

بشكل عام، يجسد الشباب حجر الزاوية في نجاح أو إخفاق جهود التحول الديمقراطي، خصوصاً وأن لكل جيل سياسي خصوصية وأدوات تختلف عن سابقيه، مما يدعو اليوم لضرورة خلق مساحات نقاش مع الشباب الحزبي بوصفه عامل تغيير سياسي مهم وحيوي.

ولنتفق أولاً بأن بداية الحلول لأهم المشاكل الاقتصادية والإدارية والاجتماعية، وغيرها، التي يعاني منها الأردن تكون بالتحديث السياسي، التحديث الذي يبدأ بتفعيل الحياة الحزبية كـ"خطوة أولى" بعد أن كانت الأحزاب محاربة، وكان أي فكر يمتلك رؤية ووجهة نظر ريادية ومختلفة عن السائد، أو يعارض الإرادة الرسمية يتم شيطنته وينزل منزلة الخائن.

 عليه؛ ندرك أن ماهية الخلل ومعيقات الحل يكمنان بعدم محاولة تغيير الطريقة النمطية للتفكير، فما الحل إذن؟ وهل كيف أن تستمر الأمور كما هي عليه الآن؟ خاصة مع قلة الموارد وتراكم الأخطاء وزيادة حالة الاحتقان والفقر والبطالة.

 محاولات عدة تعمل منذ فترة طويلة على تحديثات المنظومة السياسية والحزبية في المملكة، كما هناك تحركات فعلية لمحاولة تغيير حالة الإحباط السائدة والمشروعة عند الشباب تحديداً، ورغم أن هذه المحاولات "صعبة للغاية"، وتحتاج إلى جهد كبير جداً، لكنها غير مستحيلة.

وبظني؛ فإن توفرت الإرادة الحقيقية لكي تشمل كامل قوى الدولة فسوف تكون فرص النجاح كبيرة، وهي بالمناسبة غير متوفرة حتى الآن بالشكل المطلوب، فما يزال هناك ضعف وعي لدى أصحاب القرار في الدولة، وما تزال الممارسات على أرض الواقع لا تتماشى مع ضرورة إعادة الثقة بالعملية السياسية، لكن كل ذلك قد يتغير مع الوقت والضغط.

وبشكل نوعي، يبدو التوجه بالنسبة للشباب، غير مسبوق، تحديداً على صعيد الخطاب الرسمي تجاه الاعتراف بضرورة ردم الفجوة بين جيل الشباب ومؤسسات القرار، وفتح الأبواب لهم للولوج إلى اللعبة السياسية، ومن اللافت، أيضاً، عملية الانتقال في "خطاب الدولة" نحو الشباب من الاقتصار على المشكلات والتحديات الاقتصادية، كما حدث في الأعوام الأخيرة، أو أوقات الفراغ والرياضة، كما كانت الحال سابقاً، إلى النص بوضوح على أهمية انخراط الشباب في العملين، الحزبي والبرلماني.

على الرغم من ذلك كله، ما تزال هناك شكوك وهواجس مشروعة لشريحة واسعة من الشباب من الإقدام بالانخراط الفعلي في الأحزاب السياسية، أو تأسيس أحزاب برامجية معنية بهموم الشباب وقضاياهم. ومصدر هذا التردد المتوقع "الثقافة التقليدية" السائدة التي تحذر من مغبات العمل الحزبي والخشية من عواقب ذلك على الصعيدين، الشخصي والمهني، للشباب، ولوجود مخاوف من أن تتراجع الدولة عن "الخطة الجديدة"، أو عدم جدية مؤسسات الدولة أو توافقها على هذا الانتقال النوعي.

إذن الحكومة والأحزاب في المرحلة الحالية، يخضعان لاختبار حقيقي لمدى قدرة الشباب على تشكيل الفرق في الحياة السياسية من خلال تغيير واقع الأحزاب، وتكسير تلك الصورة النمطية عن الشباب وأهليتهم السياسية من جهة، والحالة الحزبية من جهةٍ ثانية.

لذلك يرى المسؤولون - في مطبخ القرار-  أن الأعوام المقبلة ستشكل التحدي الحقيقي والاختبار الرئيس لمدى نجاح خطّة الانتقال بالدولة وبالعمل السياسي والحزبي من الطريقة التقليدية الراهنة إلى أسس جديدة، تقوم على البرامج الحزبية والسياسية، ما يعيد هيكلة عملية تشكيل الحكومات والبرلمانات، ويجسر الفجوة المتراكمة بين الشارع ومؤسسات الدولة.

ويبقى السؤال، هل فعلاً يستطيع الشباب المساهمة الفاعلة بهذا التحول الكبير؟ الجواب بكل تأكيد، لكن ذلك مشروطٌ بتعزيز ثقة الشباب بالأحزاب والحكومات والمنظومة السياسية ككل، مع تقديم الدولة رسائل واضحة وصريحة وبناء خريطة طريق تدفعنا، جميعاً، باتجاه واحد، وهو الانتقال المطلوب،  وألا يكون هنالك تراخٍ من مؤسسات الدولة المختلفة، لأن ذلك سيعني لجيل الشباب أن الطريق ما يزال مسدوداً أمامهم.

ومطلوب أيضاً، إشعار الشباب بأنهم شركاء حقيقيون في صناعة القرار، وأن اتساع الفجوة وغياب الاتصال؛ ينعكس سلباً في نجاعة القرارات وإنفاذها، ومن المهم كذلك الاستماع إلى الشباب الحزبي خصوصاً في المسائل المرتبطة بالإصلاح السياسي والتحول الديمقراطي.