الرياضة أولوية وهوية يا عرب!

لا صوت الآن يعلو على صوت الساحرة المستديرة، فالافتتاح الخيالي الذي أبدعت به قطر إيذانًا ببدء كأس العالم عطل السياسة، وغيب الاقتصاد، وصارت المنشورات التي تتحدث عن حظوظ المنتخبات والفريق المرشح أهم من سواها! لعل الناس يرون بمتابعة الحدث الرياضي الأبرز في العالم استراحة ولو حتى حين من هموم الحياة ومشاغلها!

كالعادة، تأتي البرازيل (صاحبة الرقم القياسي بحصد البطولة، حيث ربحتها خمس مرات) في المركز الأول من حيث التوقعات بجلب الكأس من قطر وإعادتها إلى قارة أميركا الجنوبية بعد أن غابت عنها لعقدين من الزمان، حيث كانت المرة الأخيرة التي توج فيها منتخب من أميركا الجنوبية باللقب في نسخة عام 2002 التي جرت في كوريا الجنوبية واليابان، وفازت بها البرازيل بالذات، وكالعادة لا تغيب فرنسا صاحبة البطولة الأخيرة عام 2018 عن توقعات البطل، أما ألمانيا (الحاصلة على البطولة أربع مرات) فقاعدة كأس العالم تقول إنها تصل إلى المربع الذهبي حين يكون منتخبها في أسوأ أحواله، وهو في أسوأ أحواله هذه الفترة فعلا !

تبقى هولندا مرشحة للذهاب بعيدا في النسخة الحالية، وكذلك بلجيكا وإنجلترا، وأخيرًا الأرجنتين، شخصيا ينتابني حدس بأن البطولة ستكون من نصيب بلاد مارادونا وميسي، شاهدت إعلانًا ترويجيًا ساحرًا للأرجنتينيين يتحدثون خلاله عن المصادفات بين آخر لقب حققه منتخب بلادهم عام 1986 وبين نسخة قطر الحالية، منها مثلا أن المباراة النهائية بين الأرجنتين وألمانيا الغربية أقيمت الساعة الثانية عشرة منتصف الليل، بينما ستكون المباراة النهائية للنسخة الحالية بنفس التوقيت، ومنها أن كندا وصلت مرتين فقط إلى نهائيات كأس العالم: عام 1986، والعام الحالي، مما يعني أن وجود هذا المنتخب سيكون فأل خير على راقصي التانغو (وهو لقب منتخب الأرجنتين)، ومنها أنه في نهائي النسخة الحالية سيتوافق كوكب المشتري مع برج الحوت، وقد حصل ذلك في نهائي بطولة 1986 التي احتضنتها المكسيك، أنا لا أؤمن بمثل هذه الأشياء، لكن الإعلان كان ساحرًا كما قلت !

يبقى للمفاجئات بابها الذي لا يغلق، فكرة القدم لا تعترف بالمنطق، والرهانات فيها خاسرة غالبًا، وكم كنت أتمنى لو أننا نضع منتخباتنا العربية ضمن المرشحين لنيل اللقب أو حتى المنافسة عليه، لكن الأماني شيء، والواقع شيء آخر تمامًا، فحتى المنتخب القطري الحاصل على آخر نسخة من كأس آسيا، والمجهز بدنيًا وماديًا منذ سنوات، والذي تجري البطولة على أرضه مما يفترض أن يعطيه قوة إضافية ظهر بصورة محبطة أمام منتخب الإكوادور الذي لا يملك أي تاريخ في كرة القدم، ولم يُشكل أي خطورة حقيقية على مرماه طوال عمر المباراة!

كان يقال إن العرب ينجحون في الرياضات الفردية ويفشلون في الرياضات الجماعية لأنهم لا يلعبوا بشكل منظم، وبينما نجحت قطر في التنظيم الجماعي للبطولة على جميع الصعد، ونظمت منتخب بلادها أيضًا منذ سنوات، تبين أن السبب قد يكون شيئًا آخر غير التنظيم، لعله في أن الرياضة حتى لدى دول الخليج الغنية ليست أولوية يستثمر فيها منذ الصغر، ولا ينظر لها على أنها هوية وقوة ناعمة تضع أي دولة في واجهة العالم، فمن كان سيعرف البرازيل لولا إبداعها في كرة القدم أولًا وقبل كل شيء؟!

لعل أحد كبار السن الذين التقيت بهم خفف علي مرارة خسارة قطر والخسارات التي ستأتي بكل أسف حين قال : "إحنا العرب طماعين.. يعني فوق التنظيم والافتتاح الخرافي بدنا نفوز كمان؟!"