المختبر الثالث لسياسات التغير المناخي.. مدققو حقائق يؤكدون ضرورة رفع الوعي المجتمعي لمواجهة المعلومات المضللة

بينما تزداد وتيرة انتشار المعلومات المضللة ونظريات المؤامرة وخطابات الكراهية عربياً وعالمياً، هناك قلق عام بشأن ازدحام المجال العام بالحقائق الخاطئة، لما تسببه من تهديدات خطيرة على التماسك الاجتماعي وسيادة القانون ورفاهية المواطنين.

خطورة التلاعب بالحقائق لخدمة المصالح السياسية والاقتصادية، وتحديداً في قضية تغير المناخ التي تعد من أكثر القضايا اصطداماً مع المعلومات المضللة، مما يؤثر على التغطية الإعلامية، والنقاش السياسي العام، كانت محور مختبر السياسات الثالث الذي عقدته منظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية (أرض)، الإثنين 7 تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، بالشراكة مع RNW Media، ضمن مشروع الأصوات الخضراء للشباب والشابات في العالم العربي والممول من سفارة هولندا، حيث شارك فيه 14 شاباً وشابة ممن وصلوا إلى القائمة القصيرة لتحدي "الأصوات الخضراء".

وشارك في المختبر  بيان حمدان، باحثة مستقلة في مجال تطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي ومدققة في منصة "مسبار"، والصحافي المصري أحمد العطار، بينما أدارت الحوار الشابة الأردنية فاطمة بني أحمد، إحدى الفائزات في مسابقة الأصوات الخضراء، إضافة إلى عملها كمدققة حقائق مستقلة مع شبكة أريج (مؤسسة إعلامية غير ربحية، أنشئت عام 2006 لتعزيز الصحافة الاستقصائية في الأردن والوطن العربي). حيث يأتي المختبر  ضمن سلسلة من الفعاليات والأنشطة المماثلة التي تهدف إلى توفير مساحة للشباب العربي للنقاش، والتعلم، وتبادل المعرفة وبناء القدرات وتعزيز جهود المناصرة.

ما وراء انتشار الأخبار المضللة

ما الذي يمكن فعله لمواجهة ظاهرة المعلومات المضللة؟ وكيف نعزز النقاش القائم على الأدلة حول تغير المناخ؟ يؤكد خبراء البيئة والنشطاء والصحفيون ومنظمات المجتمع المدني ضرورة استخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي المختلفة للمساعدة في مكافحة المعلومات المضللة، وصولاً إلى زيادة الحملات التوعوية وتدقيق الحقائق والمعلومات وتحسين مشاركة البيانات عبر منصات وسائل التواصل الاجتماعي والاستثمار في ممارسات محو الأمية الإعلامية.

وفي هذا المجال، أوضح الصحفي أحمد العطار أنه يقف خلف المعلومات المضللة "مصالح اقتصادية وسياسية"، لافتاً إلى أن هناك جهات تنشر معلومات غير دقيقة بهدف تضليل الجمهور، وهي بالأساس "تنكر" بأن هناك أزمة تغير مناخي، كما أن هناك معلومات ينشرها أفراد بهدف المساعدة والوعي لكنها تكون خاطئة وغير صحيحة. محملاً الحكومات، ضرورة مجابهة تضليل المعلومات، معتبراً أن "الحكومات العربية  من مصلحتهم الاقتصادية الاعتراف بالتغير المناخي وأثاره المدمرة، وذلك لأنه يضر على حجم التمويل الذي يحصلون عليه من الدول الغنية".

وباعتقاده فإن التضليل الذي يخفي أو يقلل من شأن التهديد المناخي الذي يمس حياة الإنسان "يؤخر الإصلاحات السياسية الضرورية في جميع أنحاء العالم"، مؤكداً على أهمية محاربة المعلومات الخاطئة والحسابات المخصصة لنشرها، كما حدث في أزمة كورونا واللقاحات.

بدورها، رأت مدققة المعلومات في منصة "مسبار" لتقصي الحقائق والأخبار، بيان حمدان، أن ناشري الادعاءات يعلمون جيداً كيف يوجهون الخطاب للناس، مبينة أن هذه الادعاءات الخاطئة قد تكون على شكل خبر أو صورة أو فيديو مصور. واعتبرت أن منصات التواصل الاجتماعي "لا تقوم بالجهد الكافي لمحاصرة الشائعات والأكاذيب، خصوصاً أن الأخبار المضللة تنتشر بسرعة قصوى في تلك المنصات، حيث إن مستخدمي تويتر وفيسبوك وغيرهما من المنصات الاجتماعية لا يترددون في مشاركة المنشورات  دون التأكد من مصداقيتها".

مجابهة التضليل

وتقول مدققة الحقائق، الشابة فاطمة بني أحمد: "بتنا نشهد تحديات عدة متعلقة بأزمة تغير المناخ، لعل أهمها قلة الوعي المجتمعي تجاه الأخبار المضللة، في ظل وجود جهات تسعى لانتشار هذه المعلومات في المجتمع"،  وتضيف "من المهم التحرك سريعاً بتفنيد الأخطاء من خلال حملات مدروسة تساهم في رفع الوعي".

فيما ترى بيان حمدان أن حل مشكلة المعلومات المضللة، بإدخال الحكومات مبحث التربية الإعلامية في مدارسها، كحل مفصلي ومهم في هذا السياق، ومن ناحية أخرى "مهم جداً الاستمرار بحملات التوعية البيئية التي تقودها الحكومات – فللأسف-  نسبة الأشخاص الذين يفهمون مشكلة وعواقب التغير المناخي قليلة جداً، وهي محصورة بفئة التعليم العالي"، بحسبها.

أما العطار، فأوضح أنه رغم وجود "رغبة" لدى الحكومات بمجابهة التضليل الذي يمارس بالمعلومات المتعلقة بالتغير المناخي، إلا أنها لا تمتلك "إرادة سياسية حقيقة لنشر الوعي وتحصين المجتمع من ارتدادات المعلومات المزيفة وغير الصحيحة".

نصائح للشباب: أنا أشك إذا أنا موجود!

وخلص المتحدثون على ضرورة التشكيك في كل معلومة يتلقاها المتلقي، خصوصاً أن المعلومات البيئية لا تؤخذ بظاهرها، إذ يجب ي العودة إلى الأبحاث العلمية للتأكد منها واكتشاف جوانب التضليل فيها،  وكذلك من المهم التشاركية بين كافة الجهات سواء شركات تقنية أو صحف أو مجتمع مدني لمحاربة هذه الزيف.

وأوصوا بأهمية ربط قضية تغير المناخ بالإنسان والحياة اليومية، بمعنى "أنسنة" القصة الصحفية  وتبيان انعكاسات هذه الأزمة على حياة البشر، مع دعم البحث المستقل حول حملات المعلومات المضللة، واتخاذ إجراءات ضد المخالفين على منصات التواصل الاجتماعي.

بالمحصلة؛ تحتاج الشركات والجهات المعنية بمحاربة التضليل الإعلامي إلى العمل على تحسين سلوك المستخدم لوسائل التواصل الاجتماعي، وتعزيز النظرة النقدية للمعلومات ومحو الأمية المعرفية، مما يتطلب توفير وإتاحة مظلة واسعة جداً من المعلومات الصحيحة والمؤكدة؛ كي لا تجد الأخبار الزائفة بيئة حاضنة تنمو فيها، وكذلك من المهم دعم الصحافة المهنية القوية لاسيما داخل غرف الأخبار.