
في يوم المعلم.. ما قيمة الاحتفال بهم دون تطوير مهاراتهم وتحسين ظروفهم؟
في غمرة الحديث عن أهمية المعلم في حياة المجتمعات ووجوب تقديره ورفعه مكاناً عالياً، يحضر المثل الياباني القائل :"ابتعد عن المُعلم سبعة أقدام حتى لا تدوس على ظله بالخطأ".
المعلم في اليابان يستحق هذا التقدير فعلاً، فهو متفانٍ ويبذل جهوداً خاصة، إذ يعتبر الأكثر عملاً وانشغالاً في العالم على مستوى المعلمين من بين كل الدول المتقدمة وفقاً لدراسة مشتركة أجرتها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الدولية ومنظمة الدراسة الدولية للتعليم والتعلم عام 2018، حيث يعمل بمعدل 56 ساعة اسبوعياً، إذ يبدأ يومه قبل ساعات من وصول الطلاب، ويبقى بعد إنتهاء الدوام لتحضير دروس اليوم التالي وتصحيح الواجبات المدرسية، أما مدير المدرسة فيصل قبل الجميع ليفتح الأبواب ويستقبل الأطفال ويحييهم فرداً فرداً، وقبل نصف ساعة من تقديم وجبة الطعام للتلاميذ في منتصف النهار، يتناول المدير نماذج من الطعام للتأكد من سلامته، في شكل من أشكال افتداء الطلبة حفاظاً عليهم.
هذا التفاني كان السبب بأن يصبح النظام التعليمي في اليابان من بين الأفضل في العالم، وأن يصبح راتب المعلم الياباني حوالي 62 ألف دولار سنوياً ليحتل المرتبة العاشرة من حيث أفضل الرواتب التي يتقاضاها المعلمون حول العالم!
ماذا عن حال المعلم في عالمنا العربي؟
نسوق هذه المقدمة عن قيمة المعلم وقيمة ما يقدمه في دولة مثل اليابان، بينما يحتفل العالم في يوم 5 تشرين أول/ أكتوبر 2022 باليوم الدولي للمعلمين تحت شعار "التحول في التعليم يبدأ بالمعلمين" وفقاً لليونسكو ، فمنذ عام 1994 يحتفل العالم بهذه المناسبة بالشراكة بين كل من منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة، يونسكو، ومنظمة العمل الدولية ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة والاتحاد الدولي للمعلمين، ووسط هذا الشعار -وهو صحيح وحقيقي جداً- تبرز تساؤلات مفادها : ماذا عن حال المعلمين في عالمنا العربي؟
لا خلاف على أن المعلم هو العنصر الأهم في العملية التعليمية، وأن إصلاح أحواله يعني إصلاح العملية التعليمية برمتها، كما يرى خبراء تربويون أيضاً أن العناية بالجانب المادي للمعلم العربي هو الأولوية الأهم، إذ أن العصر الحالي يتسم بسيطرة المادة وتقييم أي مهنة وأهميتها بما تدر من عائد، وباستثناء دول الخليج التي يتقاضى فيها المعلم رواتب عالية يمكن مقارنتها مع دول العالم المتقدمة في هذا المجال.
ففي قطر يصل راتب المعلم إلى 5800 دولار شهرياً، وفي الكويت يتقاضى 2900 دولار، وفي الإمارات يصل راتبه إلى 2850 دولار، وفي السعودية يبلغ راتب المعلم 2150 دولار، أما في البحرين فيحصل المعلم على راتب شهري مقداره 2064 دولار، إلا أن رواتب المعلمين في أغلب الدول العربية لا تكاد تسد متطلبات الحياة الأساسية، ففي مصر يحصل على 200 دولار شهرياً بعد سنوات من الخبرة، وفي المغرب يبلغ راتبه الشهري 400 دولار، وفي الجزائر 350 دولار، وفي تونس 250 دولار، أما في الأردن فقد ارتفع متوسط راتب المعلم إلى حوالي 646 دولار، وذلك بعد احتجاجات طويلة وإضراب عن العمل نفذه المعلمون عام 2019 لتحسين أوضاعهم، ونحن هنا نتحدث حصراً عن رواتب المعلمين في القطاع الحكومي.
أما في القطاع الخاص فهم يتعرضون لأبشع أنواع الاستغلال، فالرواتب أقل من الحد الأدنى للأجور ومع ذلك يتأخر دفعها، كما يتم إنهاء عقود المعلمين بعد انتهاء العام الدراسي لتجنب دفع الرواتب لهم خلال العطلة الصيفية، فضلا عن قصور الجهود التفتيشية من قبل الجهات المعنية.
المطالبة بحقه أولى من الإشادة بدوره
مما لا شك فيه إن إعداد المعلمين وتنمية مهاراتهم وتقديرهم مادياً ومعنوياً أحد أهم الأسباب للارتقاء بالتعليم، لا بل هو الأهم على الإطلاق، ويتضح ذلك من خلال تجربة فنلندا في التركيز على تطوير المعلمين أكثر من تطوير المناهج، مما جعلها محط إشادة العالم كله بمثالها النموذجي لنظام تعليمي مبتكر ومزدهر، في حين لم تفلح تجارب بعض الدول العربية مثل الأردن وبعض دول الخليج في الارتقاء بمخرجات التعليم وتطوير النظام التعليمي رغم أنها ركزت على إعداد وتطوير المناهج، وفقا للمواصفات العالمية.
في يوم المعلم من المهم الإشادة بدوره، والامتنان له على ما قدمه لنا، فنحن صنيعته مهما كان مركزنا ووظيفتنا، فهو المفيد النافع في كل حالاته، ولعل الكاتب الأميركي ويليام آرثر وارد أبدع الوصف حين قال: "المعلّم المتواضع يُخبرنا، والجيّد يَشرح لنا، والمتميّز يُبرهن لنا، أمّا المعلّم العظيم فهو الّذي يُلهمنا"، لكن كل ذلك لا يغني عن السعي لتحسين أوضاعه المادية، وتقدير ظله، فالمجتمعات منذ فجر التاريخ هي انعكاس لظل معلميها!