التعليم في الوطن العربي .. لن يتقدم ما لم يكن التعليم الحكومي القاعدة والتعليم الخاص هو الاستثناء

عادةً ما يقال في عالمنا العربي إن الظروف المالية هي سبب التحاق الطلبة بالمدارس الحكومية ولولاها لاختاروا المدارس الخاصة، مع أن الأصل أن يكون الالتحاق بالمدارس الحكومية هو القاعدة، وأن الاستثناء هو الالتحاق بالمدارس الخاصة، ربما تلك واحدة من أهم أسباب تراجع مخرجات العملية التعليميية وتحويله إلى تجارة يفوز بها صاحب المال الوفير، ويتأذى منها من تجبره الظروف ليجلس على مقاعد المدارس الحكومية!

في الأردن تحديداً، هذه واحدة من الأسباب التي تجعل الطلبة لا يحوزون أكثر من 7 سنوات تعلم خلال دراستهم الممتدة في المتوسط إلى  11.1 عام، كما أن 52 % من الأطفال الأردنيين غير قادريـن علـى قـراءة مقطع قصير ومناسب للعمر في سن العاشرة مقارنة ببلدان أخرى مختارة، وتلك نتيجة طبيعية لعدم قدرة التعليم الحكومي على تقديم جودة تعليمية عالية، وربما أن الدول العربية ليست أفضل حالاً، فنحن نتحدث عما نسبته أكثر من 20% ممن يحق لهم الدخول للمدرسة لا يجدون مقاعد في المدرسة الحكومية، فإما يحرمون من التعليم ، أو يذهبون إلى أنواع من التعليم التي لا تحقق جودة عالية.

وفقاً للخبير التربوي الأردني د. صالح بركات، فالتعليم الثانوي في الوطن العربي هو الآخر لم يستوعب أكثر من 60% من الطلاب، وبقي 40% خارج التعليم الثانوي، وفي بعض الدول لم تتجاوز نسبة استيعاب طلاب المرحلة الثانوي الـ 20%، وتلك نتيجة حتمية لعدم التوسع في الصرف على التعليم الحكومي وعدم إصلاح المناهج التعليمية لتواكب العصر، وعدم القدرة على تأهيل المعلمين وفرض التعليم ما قبل المدرسي في الأنظمة التعليمية، ففي الاكتظاظ مثلاً تستوعب صفوف بعض المدارس الحكومية أكثر من 70 طالباً !

تبلغ نسبة فقر التعلم في الوطن العربي حوالي  53% ، وفقر التعلم يعني أن الطالب في السنوات الأربع الأولى من الدراسة لا يستطيع أن يقرأ نصاً قصيراً قراءة صحيحة ولا يستطيع أن يفهمه فهماً جيداً، ووفقاً لمؤشر جودة التعليم ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻲ ﺍﻟﺼﺎﺩﺭ ﻋﻦ المنتدى ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻱ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻲ ﻓﻲ دافوس 2021، فقد احتلت قطر المرتبة الأولى عربياً ، بينما احتلت الإمارات المرتبة الثانية عربياً ، وجاءت لبنان في المرتبة الثالثة عربياً، والبحرين رابعة، والأردن خامسة، والسعودية سادسة، وتونس سابعة، والكويت ثامنة، والمغرب تاسعة، وعُمان عاشرة.

من بين كل الدول العربية كانت قطر والإمارات في المراتب العشر الأولى عالمياً ، فقطر جاءت رابعة والإمارات عاشرة، إذ أن  مؤشر دافوس أخذ بالحسبان فئات كثيرة وعلى رأسها التعليم الأساسي الذي هو أساس الابتكار وتطوير بيئة الأعمال والتعليم الجامعي، وهي الفئات الأخرى التي راقبها المؤشر، فطالما كان التعليم الأساسي في مدارس الحكومية جيداً انعكس ذلك على كل القطاعات والعكس صحيح أيضاً، وفي هذا الصدد نبهت دراسة لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية ومنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلى أنه ما دامت الجودة ضعيفة في المدارس العربية التابعة للقطاع العام، فإن قدرات هذه الدول على تحقيق نسب كبيرة للنمو الاقتصادي والرفع من ناتجها الداخلي الخام ستظل محدودة.

مجمل القول أن قطاع التعليم في الوطن العربي  يعيش أزمة حقيقية، وربما لن يجد مجالاً للتقدم ما لم ترفع الحكومات ميزانيات لقطاع التعليم بحيث تقوي الهيكل التنظيمي والبنى التحتية والتجهيزات المدرسية لكي تصبح المدارس الحكومية الخيار الأفضل والأساسي، وما لم تضع فلسفة تعليمية واستراتيجية واضحة، إضافة إلى ضرورة رفع مستوى المناهج المدرسية، بحيث لا تعتمد بشكل كبير على حفظ المعلومات وتلقينها للتلميذ عن ظهر قلب دون تحليلها أو فهمها، مع ضرورة وجود المواد التي تنمي الحس النقدي لديه، وتمكنه من أسلوب تفكير وتحليل منطقي.