إهمال متعمد.. متى ننتهي من حوادث انهيار المباني؟

في كل حادث انهيار منزل فوق رؤوس قاطنيه، لا بد أن يترك خلفه ضحايا ومآسٍ لا تنتهي. وفي الأردن تتكرر هذه الحوادث القاسية، وليس آخرها انهيار عمارة سكنية في جبل اللويبدة قبل أيام قليلة، وسط العاصمة عمان، مخلفاً وفيات ومصابين، ليتجدد السؤال الذي يطرحه الأردنيون عند كل فاجعة مماثلة، "متى ستنهار المباني الآيلة للسقوط؟"

وأدى هذا الحادث لوفاة عشرة أشخاص حتى الآن، وأصيب 14 آخرون بجروح، فيما لا تزال عمليات البحث مستمرة بعد أنباء عن وجود أشخاص لا يزالون تحت الأنقاض، وفق ما أعلنت السلطات الأمنية.

لا تعد هذه الحادثة الأولى من نوعها في الأردن، فخلال السنوات الماضية، شهدت مناطق عدة في المملكة حوادث مشابهة، من ضمنها؛ انهيار مبنى في السلط بشهر أيار/مايو من هذا العام، وحادثة "عمارة الغويرية" في مدينة الزرقاء عام 2018، وقبلها مبنى في منطقة جبل الجوفة في عمان، عام 2017. حيث تركزت أسباب انهيار هذه المباني بسبب قدمها وإجراء أعمال صيانة دون الالتزام بأي إجراءات وقائية.

حوادث انهيار المباني، والتي غالباً ما تتسبب في قتل وتشريد العائلات، وتترك ذكريات أليمة، لم يجد المسؤولون بعد حلولاً ناجعة تنهي هذه "الأزمة"، فلا توجد إحصائية أردنية رسمية لعدد المباني العشوائية أو الآيلة للسقوط، لكن تشير التقديرات إلى أنها لا تقل عن عشرات آلاف المنازل في عموم محافظات المملكة، وسط تحذيرات العاملون في القطاعات الإنشائية والهندسية من تزايد التصدعات والتشققات في العديد من المباني القديمة، خصوصاً مع اقتراب فصل الشتاء.

وتكاد تجمع الجهات المختصة من نقابة المهندسين، والمجلس الوطني للبناء، وأمانة عمان الكبرى، والدفاع المدني، ووزارة الاشغال، أن الأسباب التي تجعل البيوت تتصدع، وبالتي تنهار، تتمثل بقلة معايير الجودة في المواد المستخدمة في البناء والتي تندرج تحت عدة عوامل أساسية؛ البنية التحتية، وعدم فحص التربة، وتسرب المياه إلى الأساسات ورداءة المواد المستخدمة في البناء، والبناء العشوائي والمخالف، وعدم التقيد بالمخططات الهندسية وقوانين وتعليمات البناء، وضعف الأعمدة والجدران والخرسانة والتسليح، إضافة إلى عدم تحمل البناء للعوامل الطبيعية وعدم التنفيذ بالطريقة الصحيحة.

وخلال العام الفائت، خاطبت نقابة المهندسين وزارة الإدارة المحلية وأمانة عمان لإجراء مسوحات للأبنية القديمة وتحديد أماكن البؤر الساخنة للأبنية التي تحتاج إلى ترميم أو صيانة، دون أن تتلقى رداً على طلبها، كما يقول نقيب المهندسين أحمد سمارة الزعبي. والذي يؤكد أن "هنالك عدداً من البؤر الساخنة التي تحتاج بناياتها إلى صيانة أو ترميم، وتحديداً في بعض مناطق عمان الشرقية مثل جبل الحسين واللويبدة ووسط البلد".

إلا أن اللافت أن هناك ظاهرة منتشرة في عمان وهي ظاهرة إجراء عمليات صيانة البنايات دون الحصول على تراخيص أو إشراف هندسي بالرغم من أن "نظام الأبنية يحظر إضافة أي جزء للمبنى أو هدمه أو هدم أي قسمٍ منه أو إجراء أي تعديل عليه بالتوسعة أو التعلية أو الدعم سواء في الشكل الخارجي للبناء أو في ترتيبه الداخلي إلا بعد الحصول على ترخيص"، وفقاً لنائب مدير المدينة للمناطق والبيئة في أمانة عمان، حسام النجداوي.

وحسب مراقبون، فإن عملية الصيانة والتغييرات على الأبنية عملية "معقدة وصعبة" وتتطلب اتخاذ إجراءات وقائية قبل الشروع فيها، مثل بناء جسور أو أعمدة مؤقتة ولذا فهي عملية تحتاج إلى إشراف هندسي للقيام بها.

فيما تشير أرقام دائرة الإحصاءات العامة لسنة 2015 إلى أن عدد بنايات العاصمة عمان التي تجاوز عمرها خمسون عاماً فأكثر يبلغ حوالي 8600 مبنى من أصل حوالي 133 ألفاً في مختلف الاستخدامات.

قانونياً؛ نصت المادة (256) من القانون المدني الأردني المادة على "أن كل إضرار بالغير يلزم فاعله ولو غير مميز بضمان الضرر".

بعد فاجعة انهيار عمارة اللويبدة، مطلوب سلسلة إجراءات بدءاً من أن يكون هناك تدابير رادعة بحق من يهمل الصيانة الدورية اللازمة لبنائه، ومراقبة أي عمليات صيانة أو تعديلات على البنية الأساسية، وصولاً إلى إجراء كشف رسمي من قِبل الأجهزة الرسمية المختصة وتفعيل أجهزة الرقابة لتنظيم عملية الكشف على الأبنية للتأكد من متانتها وسلامتها لتفادي وقوع كوارث.

وأيضاً مطلوب وضع استراتيجية وطنية لمعالجة موضوع الأبنية القديمة المتضررة والآيلة للسقوط، والإسراع في إجراء فحوصات هندسية لأي منطقة مهددة، مما يتطلب جهداً جماعياً من أمانة عمّان والبلديات بالتعاون مع نقابة المهندسين والمكاتب الهندسية وكافة الجهات المعنية، وذلك لحماية حقوق الناس وسلامتهم.