اكتب تكن، واقرأ تجد.. نحو عالم بلا أمية!

لا نهضة حقيقية لأُمة أو مجتمع من دون تعليم حقيقي، فالجهل لا يصنع مجداً، والأمية لا تبني تنمية.. فهل لكَ أن تتخيل وجود ما لا يقل عن 773 مليوناً من الشباب والنساء على مستوى العالم غير قادرين على القراءة والكتابة؟!

مناسبة الحديث عن هذا الرقم المقلق والخطير، احتفال العالم باليوم الدولي لمحو الأمية الذي يصادف 8 أيلول/سبتمبر، حيث يركز شعار هذا العام على "تحويل مساحات تعلم القراءة والكتابة"، في محاولة لإعادة التفكير في الأهمية الأساسية لمساحات تعلم القراءة والكتابة؛ لبناء المرونة وضمان التعليم الجيد والمنصف والشامل للجميع.

تمثل ظاهرة محو الأمية تحدياً كبيراً لكافة المجتمعات في مختلف الدول، فطبقاً لإحصائيات منظمة اليونسكو، فإن هناك ما يقرب من 17% من سكان العالم لا يجيدون القراءة أو الكتابة، منهم 127 مليون شاب، وثلثيهم من النساء، فضلاً عن 67.4 مليون طفل غير ملتحقين بالمدارس، ما يهدد مستقبلهم بصورة كبيرة.

وعربياً، تجاوزت معدلات الأمية حاجز الـ 19% من إجمالي عدد السكان، إلا أن هذه النسبة تتباين ما بين دولة وأخرى، وتصل ذروتها في مصر، حيث وصل عدد الأميين العرب حوالي 100 مليون نسمة.

في الأردن بلغت نسبة الأمية 4.9% للعام الماضي 2021، وفقاً للمجلس الأعلى للسكان، والذي لفت إلى أن نسبة الأمية عند الإناث 7.5% مقارنة بـ 2.7% عند الذكور الذين أعمارهم أقل من 15 سنة، في حين وصلت نسبة العامة للفئة العمرية 65 فأكثر نحو 29.7% (46.6% للإناث و12.9% للذكور)، وتنخفض النسبة بشكل كبير عند الفئة العمرية (15-19 سنة) والتي وصلت إلى 0.7% (0.5% للإناث و0.9% للذكور)، كما بلغت نسبة الأمية لدى الإناث اللاتي يرأسن أسرهن 32%.

فيما تبين أن أعلى معدلات الأمية بنسبة 8.9% كانت في محافظة معان (12.1% للإناث و5.8% للذكور) وأدناها في محافظة إربد 4.1% (6.6% للإناث، 1.6% للذكور)، وبلغت في محافظة العاصمة 4.2% (6.1% للإناث و2.4% للذكور)، كما بلغت النسبة في الريف 7.8% (11.5% للإناث و4.2% للذكور) بنسبة أعلى من الحضر والبالغة 4.7% (7% للإناث و2.5% للذكور)، مما يستدعي تكثيف الجهود لخفض نسب الأمية وخاصة بين الإناث وكذلك في الأرياف والبوادي والمناطق النائية.

وتنتشر في أرجاء المملكة 147 مركزاً لتعليم الكبار ومحو الأمية، بواقع 127 مركزاً للإناث و20مركزًا للذكور، التحق بها (1721) دارساً ودارسة، في حين هناك 194 مركزاً لتعزيز ثقافة الأطفال المتسربين، التحق فيها ما يقارب 5600 دارس ودارسة.

ورغم الوجود الكبير لهذه المراكز، إلا أن تحديات عديدة تحول دون التحاق النساء لها بسبب عدم تمكنهن من ترك أطفالهن في المنزل بمفردهم، والذي يتطلب توفير برامج إلكترونية منزلية، بالإضافة إلى الثقافة السائدة بعدم اعتبار تعليم كبار السن أولوية، وضعف الوعي بأهمية تعلم القراءة والكتابة، وخجل كبار السن للذهاب لمراكز محو الأمية، وانشغالهم في العمل وعدم توفر الوقت الكافي لديهم.

دع عنك أيضاً، تداعيات جائحة كورونا التي أسفرت عن اضطراب مسيرة تعلم الأطفال والشباب والكبار على نحو غير مسبوق، وفاقمت أوجه عدم المساواة في الانتفاع بفرص لتعلم القراءة والكتابة، فضلاً عن التحول السريع نحو التعلم عن بعد والذي أدى إلى فجوة رقمية على صعيد الاتصال بالإنترنت والبنية الأساسية، فضلاً عن القدرة على استخدام التكنولوجيا.

لا يسعنا ونحن نعبر عام 2022، إلا تذكير المجتمع الدولي بأهمية محو الأمية وتكثيف الجهود المبذولة نحو الوصول إلى مجتمعات أكثر إلماماً بمهارات القراءة والكتابة، مع ضرورة تقديم خطط حقيقية وبرامج فاعلة لتشجيع الأميين على التعلم، وكذلك نشر الوعي الثقافي بأهمية التعليم بين الأفراد.

ومطلوب أيضاً، إجراء المزيد من الدراسات والبحوث التي تناقش هذه الظاهرة تشخيصاً وتطويراً ومعالجة، والاستفادة من المؤسسات والمنظمات النشيطة في هذا المجال والاستعانة بتجارب الدول التي استطاعت التغلب على الأمية، فضلاً عن تفعيل دور منظمات المجتمع المدني ومؤسسات التعليم للمساعدة في وضع الخطط وتبني المبادرات الجادة لعلاج هذه المشكلة.

ومن المهم الاستفادة من التقدم العلمي والتقني عبر استخدام الأجهزة الذكية وشبكة الإنترنت، وكذلك وضع المعايير والأهداف المرحلية للقضاء على هذه الظاهرة بناءً على المعايير العالمية وإعادة صياغتها بما ينسجم وطبيعة الدول العربية.

أخيراً؛ أكتب تكن، واقرأْ تجد.. هكذا قال محمود درويش!