
صمم!
خلال مقابلة صحفية معه، سُئل موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب عن سبب دعمه لعبد الحليم حافظ، لا سيما وأن الأخير ينافسه، فرد عبد الوهاب بما معناه: "الموهبة دي حاجة من عند ربنا، بمعنى إنها زي الرسالة للنبي، مهما الكون حاربها لازم بالنهاية توصل وتنتشر"!
كان عبد الحليم سيصل لو دعمه عبد الوهاب، وكان سيصل لو لم يدعمه!
هذا ينسجم تماماً مع إجابة الدكتور راشد عيسى، وهو أحد الشعراء والنقاد المهمين في الأردن، حين أجريت معه مقابلة صحفية قبل سنوات، وسألته إذا ما كانت الحرب على المبدع ستنال منه، قال لي: "كل مؤسسات الدنيا لا تستطيع أن تهدم مبدعاً أو تصنع مبدعاً في الوقت نفسه، فالمؤسسات لا تمنح المرء الإبداع، لكنها ضرورية جداً له لأنها منصة ينطلق من خلالها ويعرض إبداعه “!
أثناء حضوري لجلسات حاضنة الأعمال "صَمِّم"، وهو مشروع ريادي أطلقته منظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية (أرض)، واحتضن 15 مشروعاً ريادياً، دعماً للشباب والأعمال الناشئة في الأردن، كنت أنبهر في كل جلسة يتحدث بها الشباب عن مشاريعهم وطموحاتهم بالكثير من الفخر والإرادة، وكانت البسمة ترتسم على وجهي وأنا أرى الواحد منهم على مقربة من تحويل حلمه إلى حقيقة بعد أن وجد منصة ينطلق من خلالها ويعرض إبداعه، وكنت أتأكد مع كل قصة أسمعها بأن الشباب العربي بحاجة لفرصة ومنصة لا أكثر ولا أقل، وسترى منهم ما يسرك، كنت أتأكد أكثر بأن المعاناة غالباً ما تكون أم الإبداع وراعيته، فمن سيدة دفعتها معاناة ابنها مع السكري للتفكير بافتتاح مطعم خاص بهذه الفئة، إلى فتاة تسجل الكتب صوتياً لأنها كانت تشاهد معاناة زملائها الكفيفين بالجامعة مع القراءة، وهكذا أغلب المشاريع الباقية، حتى أولئك المؤثرين الرياديين الذين يتم استدعائهم لعرض قصص نجاحهم أثناء جلسات المشروع، ستجد بين السطور قصة معاناة قادت إلى الإبداع، سواء الحياة في المخيم، أو المشاكل العائلية الطاحنة، أو البطالة التي امتدت لسنوات طويلة، بالمناسبة؛ لو لم يعش عبد الحليم حافظ الذي بدأت المقالة عنه بدار للأيتام في طفولته ربما لم يكن التاريخ ليخلد فنه!
دافعوا عن أحلامكم، لا تقطعوا حبل الخلاص بينكم وبينها، ولا تصدقوا أن الحالم يضيع عمره سدى، يوماً ما سينصفه الوفاء للغة الإصرار التي أتقنها، بينما سيتوارى غيره خلف راية الرضوخ التي رفعها!
"صمم" على أحلامك، وستجدها واقعاً أمامك!