علينا أن نعيش.. نحو ثورة خضراء جديدة

كافة التوقعات والتحليلات تُظهر أن العالم لا يسير على المسار الصحيح في تحقيق التنمية المستدامة، وأهمها القضاء على الجوع، بل ومن المرجح أن يتدهور الأمن الغذائي في معظم الدول خصوصاً المجتمعات الأقل رعاية، لأسباب معروفة كتغير المناخ وجائحة كورونا التي لا تزال تداعياتها حاضرة حتى الآن.

شبح الجوع الذي يتفاقم ويهدد بكارثة حقيقية مع فقدان السيطرة على انتشاره، وتضاعف أعداد الجوعى خاصة في الدول الفقيرة والنامية، ليس جديداً وزاد اليوم مع تزايد عدد السكان، ما أوجد ضرورة التفكير في بدائل مبتكرة وقابلة للتطبيق لإطعام الشعوب، وكذلك تغيير الممارسات الزراعية السائدة في تلك الدول على وجه الخصوص.

التقنيات الجديدة المستخدمة في الزراعة عرفت وقتها بـ "الثورة الخضراء"، وكانت ضرورية لضمان حدوث زيادة في إنتاج المحاصيل في الأماكن التي تكافح من أجل توفير كميات مناسبة من الغذاء وتحديداً محصولي القمح والأرز.

اليوم؛ مع كل هذه الأنباء التي تتحدث عن "مجاعة مرتقبة" في العالم، نحتاج إلى ثورة خضراء أخرى وجديدة لجعل الغذاء أكثر استدامة، بما في ذلك المحاصيل المتكيفة مع المناخ وتلك التي تكون أكثر مواجهة للجفاف والآفات والأمراض.

تشير الثورة الخضراء إلى مجموعة من التغييرات التي حدثت في الدول النامية التي شهدت زيادة في إنتاج المحاصيل الزراعية، وتضمنت هذه التغييرات إدخال تقنيات ري جديدة يمكن للناس استخدامها للزراعة، وزرع البذور المعدلة وراثياً، واستخدم المبيدات الكيماوية والأسمدة والآلات، وقد سمحت هذه التقنيات للدول بإنتاج محاصيل أكثر من أي وقت مضى، غالباً على حساب الاعتبارات الغذائية والبيئية.

كان العالم الأمريكي نورمان بورلوج المعروف بـ "رمز الثورة الزراعية" أحد أهم المساهمين في نجاح هذه الثورة، ففي عام 1954، طور صنفاً معدلاً وراثياً عالي الإنتاجية ومقاوم للأمراض من بذور القمح، ومن خلال ما يُعرف بـ "التربية الانتقائية"، أدَّى هذا النوع من تطوير البذور إلى إنتاج بذور محسنة أخرى، بما في ذلك الفول والأرز والذرة.

ما فعتله هذه الثورة ابتداءً من ستينيات القرن العشرين، أدى إلى انتشار أصناف القمح عالية الغلة بسرعة في جميع أنحاء آسيا، وتبعها ظهور سلالات جديدة ذات قيمة عالية من الأرز يمكنها أن تنمو في أجزاء أخرى من العالم، وتضاعف إنتاج هذين المحصولين منذ فترة الستينيات حتى التسعينيات، حتى مع زيادة عدد سكان القارة بنسبة 60%، انخفضت أسعار الحبوب، وانخفض معدل الفقر إلى النصف.

تاريخياً؛ بدأت الثورة الخضراء في أربعينيات القرن الماضي بالمكسيك، حيث تلقت الحكومة المكسيكية منحة من مؤسسة روكفلر لتكتشف في النهاية طرقاً لاستخدام الأراضي الجافة لإنتاج المحاصيل الهائلة، ومنذ ذلك الوقت حتى اليوم تم زراعة نصف أراضي القمح والأرز في البلدان النامية بالأصناف الجديدة، وفي آسيا، حيث كان تأثير الثورة الخضراء كبير، وكذلك زرعت ما يقارب 90% من حقول القمح بأصناف حديثة، وزادت زراعة الأرز عالي الغلة من 12% إلى 67%، بحسب ما تذكر منظمة الأغذية والزراعة.

الحاجة لثورة جديدة في الزراعة والغذاء خلال الأعوام المقبلة، يأتي مع توقعات الأمم المتحدة أن يزداد عدد سكان العالم من 7.5 مليار إلى 9.7 مليار شخص بحلول عام 2050 و11.2 مليار في عام 2100، سيولد نصفهم في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، و30% في جنوب وجنوب شرق آسيا، ما يتطلب "إنتاج نفس القدر من الغذاء الذي تم استهلاكه على مدار تاريخنا البشري بأكمله"، كما يقول رئيس وكالة العلوم الوطنية الأسترالية ميغان كلارك.

ووفقًا للتقديرات التي جمعتها منظمة الأغذية والزراعة، سيحتاج المزارعون إلى زيادة إنتاج الغذاء بنسبة تزيد على 60% على مدار الثلاثين عاماً، لإطعام الناس واستيعاب الأنظمة الغذائية المتغيرة التي تشمل المزيد من اللحوم، كذلك يجب تحقيق معظم المكاسب من خلال الحصول على غلات أعلى من الأراضي التي تُزرع بالفعل في المناطق التي يسكنها غالبية البشر.

ومن المتوقع أيضاً أن تكون آثار تغير المناخ التي بدأت في الظهور بالفعل منذ عام 2016- مثل الجفاف وموجات الحرارة والطقس القاسي بشكل عام - في هذه المناطق التي ستشهد نمواً سكانياً متزايد أشد ضرراً، ما يؤدي بدوره إلى إحداث فوضى في أنماط الطقس والأمراض. 

الاتجاهات الحالية في عملية الغذاء "خطيرة"، وخصوصاً إذا استمرت في التصاعد، فلكم أن تتخيلوا أن شخص من بين 10 أشخاص أي ما يصل إلى 811 مليون شخص، سيعاني من نقص مزمن في الغذاء، الأمر الذي يتطلب تحقيق الاستدامة في الإنتاج الزراعي، وتكاتف الجهود بين الجميع، وتنويع إنتاج المحاصيل الذي يمكن أن يجعل الإمدادات الغذائية أكثر تغذية، ويقلل من الطلب على الموارد وانبعاثات غازات الاحتباس الحراري، ويعزز مقاومة المناخ دون تقليل إنتاج السعرات الحرارية.