كله.. بعد العيد!

مثل غيري؛ لا أدري لماذا يسيطر علينا أسلوب وسلوك: "كله.. بعد العيد"، حتى تكاد تشعر أنها السمة الغالبة للناس، فتجد نفسك وغيرك تتخذ العيد مناسبةً لتأجيل كل ما يشغلنا قبله، بل ونتفنن بالتبريرات والهروب نحو أمل أن يحدث أمراً خارقاً يغير أحوالنا بعد انقضاء عطلة العيد.

هذه الفلسفة الجماعية لأغلب سكان المنطقة العربية ومنها الأردن - برأيي- لم تأتِ من فراغ، فانقطاع الأمل بالتغيير والإصلاحات والتجديد وتدهور الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي باتت تشكل هماً كبيراً للجميع، ساعد على تثبيت هذه الفلسفة وانتشارها بشكل واسع.

الاستعانة بهذه الجملة بين مختلف شرائح المجتمع، تعيدك اليوم إلى ثقافة المواطنين في تعاطيهم لمشكلاتهم وقضاياهم الملحة، سواء في العمل أو البيت، أو حتى بين الناس أنفسهم، لتدرك أن الكسل والتأجيل صار جزءاً من ثقافتنا والتي تنعكس على سلوكنا اليومي.

الحكومة ومؤسساتها، ليست بمنأى عن تلك الفلسفة، فزيارة واحدة إلى دائرة حكومية وتحديداً في شهر رمضان أو قبيل اقتراب الأعياد، ستكتشف أنه لا يكاد يمر يوم دون أن يستمع المرء منا إلى شكوى مواطن ومعاناته، واضطراره للانتظار ساعات طويلة لإنهاء معاملة، لا يحتاج إنهاؤها إلا دقائق معدودة.

ما يحدث في دوائرنا الرسمية لم يعد يطاق، ولم يعد هناك مبررٌ للسكوت عليه، ويحتاج إلى كثير من الحزم والمتابعة، وبالطبع الأمثلة كثيرة ولا تعد ولا تحصى في هذا المضمار؛ كالتذرع بأن جهاز الكمبيوتر لا يعمل، وهي الذريعة التي يكاد يسمعها المواطن بصورة شبه يومية كمبرر من الموظفين لعدم القيام بمهام وظائفهم؛ بالإضافة إلى الكثير من الاعذار غير المقبولة، ومنها عذر: "تعال بعد العيد وامورك محلولة"!

العقلية الجمعية التي تربينا عليه باتت مكشوفة وتأخذ مساراً معقداً وغير منطقي، وهنا، لا أرمي بلومي على المواطنين فقط، فثمة تغيرات وتهديدات متعددة أوجدت هذه السلوكيات، ليس أولها فقدان الأمل بالإصلاح، ولا أخرها التهرب من المسؤوليات وانقطاع الجدوى من التغيير والتحسين.

ومن موقع القناعة والإيمان بالجدوى، لا يمكن الحديث بعد اليوم عن إي إصلاح وأمل بالتغيير، إذا كانت عقليات الناس وقناعاتهم وتصرفاتهم فاقدة للهمة؛ بفعل عقود من الإهمال والتغييب وعدم الشعور بالأمان والاستقرار النفسي والروحي والمالي والمعيشي.

لا فرصة لإصلاح هذه الفلسفة، إذا بقي السخط والاحتقان الشعبي السمة المسيطرة بين الناس، ولا حديث عن التطور والإصلاح والتنمية إذا ما بقي الإهمال والترهل والجشع يتمدد في بعض مؤسساتنا.

نعم، لا أملك تفسيراً علمياً لهذه الفلسفة، لكننا نرجو ونأمل أن تغييب نهائياً، وأن يكون عيد الأضحى الذي ننتظر قدومه بعد أيام قليلة، فرصة لدفق الأمل والفرح في قلوبٍ باتت كل أمنياتها أن تعثر على بصيص أمل ينير ظلمة يأسها!