رصاصة الحقد الأسود.. ما ذنب فتياتنا؟

خمس رصاصات في مختلف أنحاء جسدها، واحدة منها استقرت في الرأس، كانت كفيلة لقتل الطالبة الأردنية إيمان ارشيد، داخل حرم جامعة العلوم التطبيقية في منطقة شفا بدران بعمان، على يد مجرم أرعن لاذ بالفرار بعد عملته البشعة، ولتلحق بالطالبة المصرية نيرة أشرف، التي قتلت طعناً بسلاح أبيض قبل أيام فقط أمام مقر جامعة المنصورة.

وفق المعلومات؛ فإن إيمان تدرس تخصص التمريض (سنة ثانية)، وتلقت رصاصات من شخص ليس طالباً في الجامعة، إنما استطاع الدخول بسلاحه مرتدياً قبعة، وقام بملاحقتها بعد خروجها من الامتحان وإطلاق النار عليها قبل أن يهرب، وهو يطلق الرصاص في الهواء لإفشال محاولة القبض عليه.

جريمة قتل إيمان وغيرها من الفتيات، لن تكون الأولى ولا حتى الأخيرة اليوم، ما دام كل تلك الدعوات المتمثلة باتخاذ إجراءات سريعة وفعالة لحماية النساء والفتيات من جرائم القتل والعنف لم تجد آذاناً صاغية واهتماماً أمنياً واجتماعياً وسياسياً وعقاباً رادعاً ينهي مسلسل هذه الجرائم المفزعة.

كما لم يعد الاستنكار والاستهجان لوحدهما كافياً للتعبير عن بشاعة وهمجية الجرائم المرتكبة ضد النساء والفيات، بل وأصبحت فرصة نجاتهن من القتل والعنف والإيذاء محدودة الأفق والنطاق، وتزداد وتيرتها محلياً وعربياً، وكذلك عالمياً.

في الأردن؛ وبحسب ما أظهره التقرير الإحصائي الجنائي، الصادر عن إدارة المعلومات الجنائية لعام 2020، فإن دوافع ارتكاب الجرائم بحق النساء والفتيات كانت أبرزها الخلافات الشخصية بنسبة 48.2% (53 جريمة)، تلاها الخلافات العائلية 30.9% (34 جريمة)، والانحلال الأخلاقي 5.5% بعدد (6 جرائم)، والأمراض النفسية 2.7% (3 جرائم).

وبحسب آخر إحصاءات الأمم المتحدة، فإن 80% من النساء اللواتي يقعن ضحايا للقتل هن عربيات- للأسف- دون وجود آفاق عملية لتغيير هذا الواقع الذي ينذر بخطر قادم على كافة المستويات، وسط صمت مخجل وغير مبرر وتهاون كبير بحق القتلة ما يجعل هذه الجرائم قابلة للتكرار.

مسألة أخرى مهمة؛ حالة الانقسام الذي يعيشه المجتمع الأردني والعربي ككل، كلما طفت على السطح قضايا اجتماعية أو دينية أو جندرية، والتي تكشف بدورها مدى تفاقم وانتشار خطاب الكراهية المبطن والذي غالباً يجد له ستاراً دينياً يبرره ويعززه.

وهكذا يتم تبرير القتل والوحشية باسم الدين أو السلطة الذكورية، فتصبح الجريمة مبررة، لا سيما إذا كانت الضحية فتاة أو امرأة، وبالطبع هنا، ندخل في الجوانب الفكري والعقلية والنفسية لبعض الأشخاص الذين لا يدركون أنهم يعيشون حالة خطيرة ومدمرة أساسها الجهل وقلة الوعي والتسلح بتقاليد بالية، بل والأخطر أن جفونهم لا ترف وهم يشاهدون دماء فتياتنا البريئات.

ملف قتل الفتيات والنساء يحتاج اليوم إلى مكاشفة، وإلى تشريعات قانونية تحميهن، وإلى مؤسسات إعلامية وحقوقية ومدنية تزيد الوعي عند الناس وتناقش القضية بكل أبعادها وتفاصيلها، والأهم إيقاف من يروجون للجرائم ويجعلون من القتلة أبطالاً، وكذلك إلى مؤسسات دينية وجامعية ومدرسية تعلم الأطفال والناس والأجيال القادمة احترام الفتيات والنساء والالتزام بالقانون.

ولعلي لن أستطيع على الإطلاق بعد مشاهدة هذه الحوادث المفجعة أن أفهم ما يدور في خلد الإنسان حيث يستبيح ويقرر إنهاء حياة إنسان آخر، ولن أفهم بتاتاً كيف لإنسان أن يصر ويخطط ويترصد لإيجاد وسيلة ملائمة لتصفية إنسان من لحم ودم، أن يفعل ذلك دون أن يستيقظ فيه شيء!

لم نعد نتحمل بعد كل ذلك أن ندفن رؤوسنا في الرمال، ولا حتى إبقاء هذا الملف حبراً على ورق، فمن الضروري تطبيق إجراءات حقيقية تحمي النساء وتوقف نزيف الدم الذي ما يزال يراق على الأرض دون توقف!  

لإيمان ونيرة ولكل روح أزهقت بغير ذنب الرحمة والسلام.