تيسير نايفة.. عندما نتذكر العلماء بعد رحيلهم

بوفاة العالم العربي الكبير تيسير نايفة، أحد أهم علماء الهندسة الصناعية وهندسة الأنظمة في الولايات المتحدة الأمريكية، يخسر العالم اليوم قامة علمية فلسطينية وأردنية وعربية رفيعة، تميزت باختراعاتها وعلمها ونبوغها في الفيزياء والصناعات، وقدمت نموذجاً عربياً ملهماً للأجيال المقبلة.  

ونايفة، أستاذ الهندسة الصناعية في جامعة "كليفلاند" الأمريكية، رحل عن عمر 71 عاماً، وهو ينحدر من عائلة جلها علماء من الدرجة الأولى، فهو شقيق العالم الراحل د. علي نايفة، وعالم الذرة د. منير نايفة، والعالم في الهندسة د. عدنان نايفة.

بدأ ابن ضاحية شويكة بمدينة طولكرم الفلسطينية، والمولود في الأردن عام 1951، حياته من الصفر، ليثبت للعالم بأسره بعد سفره إلى أمريكا عام 1969، لاستكمال تعليمه الثانوي، أنه قادر على رفع راية العلم والمعرفة والصعود للقمة.

الإشارة للراحل وما قدمه من اختراعات مسجلة باسمه عالمياً، وحصوله على جوائز وتكريمات علمية عديدة، لا تكون بمنأى عن الإشارة إلى أهمية الخدمة العلمية والمعنوية التي يقدمها مثل هؤلاء العلماء للبلاد، بإعطاء صورة مشرفة عن الوطن العربي في الخارج.

فذاك شقيق تيسير، علي نايفة، أستاذ الهندسة الميكانيكية، وأحد أبرز علمائها على المستوى العالمي، الذي غاب عنا عام 2017، بعد أن عاد إلى الأردن من أمريكا، ليتطوع في التدريس بالجامعة الأردنية أستاذاً وعالماً ينقل خبراته لطلابنا وأساتذتنا بعد رحلة علم طويلة.

وإليكَ أيضاً؛ شقيقه منير نايفة، عالم الذرة الأشهر، والذي يملك 23 براءة اختراع في صنع جزئيات "النانو سيليكون"، والذي نجح خلال خبرته العملية بتحريك الذرات منفردة ذرة ذرة، وهو الاكتشاف الذي قالت عنه صحيفة "واشنطن بوست" إنه يؤسس لفرع جديد في علم الكيمياء، يدعى "كيمياء الذرة المنفردة".

ولا يمكن القفز كذلك عن إسهامات شقيقه د. عدنان، عالم هندسة الميكانيك والطيران، والذي عمل في وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا)، وعدد من المؤسسات الحكومية والصناعية والعلمية في أمريكا، والذي عاد إلى الأردن، وأسس كلية الهندسة بجامعة اليرموك في السبعينيات، ليفي وطنه حقاً في عنقه وعلمه.

الأخوة نايفة؛ ومنهم الراحل تيسير، وبما يمتلكون من معارف ومؤهلات علمية وخبرات عملية مميزة، لم ينالوا حقهم من التكريم والإشادة عربياً، وربما لم تسمع أجيال عديدة بأسماء هذه النجوم في عالم العلم والتكنولوجيا، ومثلهم طبعاً العديد من العلماء العرب، الذين أهملتهم بلدانهم ووجدوا في الغرب البيئة المناسبة لإخراج إبداعاتهم ونظرياتهم وإنتاجهم العلمي الكبير.

مشكلة تجاهل العقول العربية، التي أهملت وطمرت تحت عدم اللامبالاة والإقصاء، غير جديدة وتبعث على الأسى، فكم من عقل عربي متقدم مثل العقل الغربي وحتى أفضل منه، لكنه يعيش في بلده غريباً ويعاني شتى أنواع المشكلات، من غياب البنية التحتية للبحث للعلمي، ونقص المراجع العلمية ودور النشر، وقلة الدعم وعدم توفر مناخات مشجعة للابتكار والبحث والاختراع.

في هذا المجال؛ تقدر نسبة ما ينفقه العالم العربي على البحث العلمي بـ 1% فقط من مجمل الدخل القومي، بينما يصل إلى 4% في الدول المتقدمة، في حين تشير دراسات صادرة عن اتحاد الجامعات العربية، الى أن نسبة الباحثين العلميين لكل مليون شخص من السكان في الوطن العربي تقدر بـ 640 باحثاً مقارنة مع 4500 باحث لكل مليون نسمة في دول الغرب.

ما تزال الاختراعات دون مستوى الطموح المطلوب، وما يزال الواقع يُشير إلى فقدان بوصلة الاهتمام بالباحثين والعلماء، ما يتطلب اليوم إرادة وطنية وسياسية وقيماً علمية وثقافية، تدفع بتطوير البنى الإنتاجية والمعرفية إلى الأمام، وتخرجنا من براثن الفقر المعرفي إلى آفاق الابتكار، والأهم من ذلك كله تعظيم وتقدير جهود العلماء والمخترعين.

للراحل العالم والدكتور تيسير نايفة الرحمة والمغفرة، وستبقى معارفك الكبيرة تنير دروبنا في هذه الحياة.