الشقاء والخطر.. آن الأوان للحد من عمل الأطفال

كافة التوقعات تشير إلى زيادة عمل الأطفال في المملكة خلال السنوات القليلة المقبلة، وذلك انعكاساً لما خلفته جائحة كورونا وتداعياتها على مختلف شرائح المجتمع وتحديداً الأطفال، فضلاً عن ارتفاع مستويات الفقر، ومعدلات البطالة المرتفعة أصلاً والتي تدفع بالمزيد من الأطفال الملتحقين بسوق العمل.

ورغم التحذيرات الحقوقية والمدنية والعمالية وحتى العالمية من ارتفاع أعداد الأطفال العاملين في سوق العمل غير المنتظم، والذين تقدر أعدادهم في الأردن بنحو 70 ألف طفل، منهم 45 ألفًا يعملون في مهن خطرة، وفقاً لإحصائيات المجلس الأعلى للسكان، إلا أن الظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة وقصور أنظمة الحماية الاجتماعية ما تزال "حجر عثرة" أمام الأطفال وأسرهم.

ويتعرض هؤلاء الأطفال إلى أضرار جسدية ناتجة عن الأعمال الخطيرة التي لا تناسب سنهم؛ كالعمل على آلات ثقيلة أو العمل باستخدام وسائل حادة، بالإضافة للأضرار النفسية بسبب الاستغلال والجهد والإرهاق في العمل وعدم توفر استقرار نفسي لهم مثل أقرانهم من الأطفال غير العاملين، والأهم حرمانهم من التعليم، حيث أنه كلما زادت نسبة الأطفال العاملين، زادت نسبة التسرب من المدارس.

هذه العواقب الناتجة عن عمل الأطفال، لها انعكاسات كثيرة تؤثر على الأطفال بشكل خاص وعلى الأسر بكل عام، إذ لا يمكن بعد اليوم التهرب من هذه النتائج أو إنكارها، مما يستدعي القضاء على المشكلة وحلها ومتابعتها بشكل جدي وآني.

وبحسب تقرير صادر عن مركز تمكين للمساعدة القانونية، فإن عمل الأطفال في الأردن يرتكز على قطاعات عدة، أهمها: الخدمات (الخدمة في المطاعم، ومحلات البيع، والإنشاءات، والحدادة، والميكانيك، والنجارة، والتحميل والتنزيل، وغالبيتهم لا يتقاضون أجراً عادلاً، ويدفع لهم أقل من الحد الأدنى للأجور البالغ 260 ديناراً، إضافة إلى عملهم لساعات طويلة دون تعويضهم عن ذلك.

ورغم مصادقة الأردن على أهم الاتفاقيات الدولية في مجال مكافحة عمل الأطفال، ومنها اتفاقية حقوق الطفل التي أصدرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة، واتفاقيتا العمل الدوليتان رقم (138) بشأن "الحد الأدنى لسن الاستخدام" ورقم (182) بشأن "حظر أسوأ أشكال عمل الأطفال"، إلا أن هذا الملف لا يزال مقلق محلياً ويتطلب وقفة جادة من كافة الجهات المعنية.

في هذا السياق، تنص المادة (73) من قانون العمل الأردني على أنه "لا يجوز تشغيل الحدث الذي لم يكمل السادسة عشرة من عمره بأي صورة من الصور"، في حين يجيز القانون ذاته تشغيل من هم فوق السادسة عشرة، ولكن في أعمال ليست خطرة أو مرهقة أو مضرة بالصحة.

هذا الحديث يأتي مع اليوم العالمي لمكافحة عمل الأطفال، 12 حزيران/ يونيو من كل عام، حيث يحيه الأردن والعالم لهذا العام تحت شعار "الحماية الاجتماعية الشاملة لإنهاء عمل الأطفال"، ويتزامن مع وجود 160 مليون طفل اليوم منخرطين في العمل (بعضهم لا تتجاوز أعمارهم الخامسة)، وفق الأمم المتحدة.

عالمياً، هناك نحو 1.5 مليار طفل في العالم، يفتقرون إلى الحماية الاجتماعية، بحسب بيانات الأمم المتحدة، التي بينت أيضاً أنه منذ عام 2020 وقبل أن تنتشر  جائحة كورونا، تمت تغطية 46.9% فقط من سكان العالم بشكل فعال من خلال ميزة حماية اجتماعية واحدة على الأقل، في حين تُرك الـ 53.1% المتبقية - ما يصل إلى 4.1 مليار شخص - بالكامل من غير حماية.

فيما تصدرت قارة إفريقيا المرتبة الأولى في عمل الأطفال، وتصل أعدادهم إلى 72 مليون طفل، في حين تحتل منطقة آسيا والمحيط الهادئ المرتبة الثانية حيث يصل العدد إلى 62 مليون طفل، بينما يتوزع العدد المتبقي على الأميركيتين (11 مليوناً) وأوروبا وآسيا الوسطى (6 ملايين) والدول العربية (مليوناً).

ليس أمامنا بعد اليوم سوى تطوير وتحسين منظومة الحماية الاجتماعية للأطفال في المملكة والمنطقة ككل، وتوفير المساعدة المباشرة لانتشال الأطفال من هذه الأعمال، وإعادة تأهيلهم ودمجهم مجتمعياً، وضمان حصولهم على التعليم والرعاية، بعيداً عن الاستغلال، لضمان تطورهم المعرفي والعاطفي والاجتماعي بشكل سليم. وحقٌ علينا وقف نزيف الشقاء والخطر الواقعان على أطفالنا، والذي يتطلب تكاتف الحكومة ووزارتها ومؤسسات المجتمع المدني والقطاعين العام والخاص وبناء شراكات حقيقة فيما بينها؛ لحماية الأطفال من الإجبار على العمل وتوسيع مظلة الحماية الاجتماعية لتشمل جميع الأطفال وعائلاتهم.