إلى نبيات المحبة

قالوا "إن المرء يهزم بالأشياء التي يحبها" وهذا حقيقي، لكنهم لم يقولوا إنه ينتصر بها أيضاً، وهذا حقيقي أكثر، فقد نهزم بحبنا للمرأة، لكن انتصاراتنا بها وبحبنا لها أكبر بكثير!

أعمارنا كلها محض امتنان لها، فهي الغطاء الذي يستر جسدنا المكشوف، وظهرنا الذي لا تنقضه الظروف، الوطن المبارك المصنوع على مقاس رغبتنا، والألفة الكثيرة التي تبدد وحشتنا.

أعمارنا كلها محض امتنان، لأنها اليد التي تنفض عنا غبار الأمس، والدعاء الذي يرتفع خالصاً لنا بين الهمس والهمس، لأنها المدرسة التي علمتنا الحنان والرضا، والجامعة التي هيأت الواحد منا ليكون في قومه سيداً!

أعمارنا كلها محض امتنان، لأنها نوارة الدار، خزانة الأسرار، ألوان البهجة كلها، فحتى الأبيض، يصير أكثر الألوان سواداً في بيتٍ خلا منها!

أعمارنا كلها محض امتنان، للمؤنسات الغاليات، وصوتنا الواثق الواضح إذا ارتجفت الأصوات، لأنهن زينة الحياة الدنيا، والباقيات الصالحات..

أعمارنا كلها محض امتنان.. لأنهن نبيات المحبة وشقائق الرجال، والمسرفات علينا بالفرح والجمال، والمغدقات بيوتنا بالطهر والجلال.. لأنهن صورة مُصدقة عن الجنة وظل أسامينا، ولأنهن أجمل وأبهى ما فينا، ولأنهن المبعوثات بالرأفة والموكلات بالسكينة!

أعمارنا كلها محض امتنان، لأنهن كتاب حياتنا من البداية وحتى "تم بحمد الله"، ولأنهن حملن الوجع منا وعنا من طلق الولادة وحتى الهزيع الأخير من الحياة.

أعمارنا كلها محض امتنان، للأمهات الحانيات، للزوجات الرائعات، للشقيقات، للبنات، للحبيبات، لكل هؤلاء اللواتي يردمن رقعة الظلام بخيوط النور، ولولا وجودهن لبقي حلماً يداعب مخيلتنا طعم السرور.

أنا لا أكتب للمرأة إيماناً بيومها العالمي، بل أردت أن أقول لها إنها العالم كله، وإن يومها الحقيقي من أول الدهر حتى آخره، فما أضيق العالم من دونها، وما أوسعه حين تطالعه بعيونها!