
الأزمة الأخطر.. اللجوء والهجرة والتضامن الإنساني في الحرب الأوكرانية
لم يكد يمض أسبوع على بدء الغزو الروسي للأراضي الأوكرانية، في حرب جديدة في أوروبا التي ابتعدت عن الحروب منذ عقود، حتى بات أكثر من مليون أوكراني لاجئاً في الدول الاوروبية المحيطة بها، وبعضهم وصل دولاً غير مجاورة.
يتوقع المراقبون أن تتضاعف أعداد المهجرين واللاجئين الأوكرانيين كلما طال أمد الحرب والعمليات العسكرية، وهو أمر لا يبدو مستبعداً في ظل المعطيات الحالية وعولمة هذه الأزمة سريعاً.
الحرب في أوكرانيا تسببت في أزمة إنسانية وصفها المفوض الأوروبي المكلف بإدارة الأزمات، يانيس ليناريتش، بـ"أنها الأكبر منذ عدة سنوات"، وقال إن "التقديرات تشير إلى أن سبعة ملايين أوكراني سينزحون" من هذا البلد بسبب الهجوم الروسي.
وأكثر من نصف النازحين الأوكرانيين حتى الآن، والذين زاد عددهم عن مليون دخلوا إلى بولندا، المحادية لأوكرانيا و"يستمر عددهم في الارتفاع"، بحسب الأمم المتحدة والسلطات البولندية.
يحد أوكرانيا غرباً أربع دول من الاتحاد الأوروبي، هي المجر وبولندا ورومانيا وسلوفاكيا. ويربط بينها وبين الأراضي الأوكرانية 31 معبر حدودي رسمي، تحظى بولندا بحصة الأسد منها بـ 12 معبراً.
أوروبا التي بدأت تعاني اليوم من أزمة النازحين والمهجرين الأوكرانيين جراء الحرب، لم تتوقف عن الاشتباك مع ملف اللجوء والهجرة منذ عدة عقود، تحديداً في العقود الثلاثة الأخيرة، بل وكان العقد الأخير الأكثر أزمة في هذا الملف، خاصة بعد اندلاع الأزمة السورية واستمرار تداعيات الأزمتين العراقية والأفغانية والأزمة اليمنية وغيرها من أزمات سياسية وعسكرية واقتصادية.
فما زالت أوروبا المقصد المرغوب لأغلب اللاجئين والمهجرين من مناطق الفقر والأزمات، بالرغم من التضييقات والاشتراطات والتعقيدات التي تضعها الدول الأوروبية بوجه الهجرات غير الشرعية.
هذه التضييقات تسببت في كوارث إنسانية، حيث تشير التقديرات إلى أنه في السنوات الأخيرة هناك أكثر من 20 ألف لاجئ لقوا حتفهم أثناء عبور البحر الأبيض المتوسط في قوارب صغيرة للوصول إلى أوروبا، بما في ذلك ما لا يقل عن 1300 قضوا في عام 2021.
اليوم؛ تجد أوروبا نفسها أمام أزمة لجوء من أبناء جلدتها، وليس من خارج حدود القارة العجوز، ورغم أن حجم العراقيل بوجه النزوح الأوكراني من قبل دول أوروبا لن تكون مثل تلك التي تواجه نازحي العالم الثالث الباحثين عن الأمان والحرية والعيش الكريم في أوروبا، إلا أن الضغط المتوقع لحركة النزوح الأوكرانية لأوروبا خاصة في ظل امتداد فترة الصراع والحرب وتضاعف أعداد اللاجئين، ستخلق أزمات اقتصادية وإنسانية كبيرة تفاقم ملف أزمة الهجرة واللجوء التي تغرق فيها أوروبا أصلاً.
أخطر أزمات العالم
وتعد أزمة اللجوء والهجرة، القسرية منها تحديداً، إحدى أخطر وأكبر الأزمات العالمية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وما تزال تتفاقم يوماً بعد يوم.
وكانت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أعلنت في تقرير صدر في حزيران/يونيو 2021، عن تجاوز أعداد المهجرين قسراً حول العالم 82.4 مليون شخص بنهاية عام 2020 نتيجة للاضطهاد أو الحروب والنزاعات، منهم 26.4 مليون لاجئ نحو نصفهم دون سن الثامنة عشرة من العمر.
وتستضيف الدول النامية 86% من لاجئي العالم، بينما يعيش 73% من اللاجئين في دول مجاورة لبلدانهم، وهو الرقم الأعلى الذي تسجله المفوضية في تاريخها.
في المقابل؛ يعيش 20.4 مليون لاجئ تحت ولاية المفوضية، و5.6 مليون لاجئ فلسطيني تحت ولاية الأونروا، و45.7 مليون نازح داخلي، و4.2 مليون طالب لجوء، و3.6 مليون فنزويلي نازحون في الخارج. وهناك ملايين الأشخاص عديمي الجنسية، وحُرموا منها ومن الوصول إلى الحقوق الأساسية، مثل التعليم، والرعاية الصحية، والتوظيف، وحرية التنقل.
وللمقارنة؛ يكفي أن نعلم بأن الأزمة السورية التي اندلعت منذ عام 2011، شكلت وما تزال تشكل إحدى أكبر المآسي الإنسانية في السنوات الأخيرة، حيث تشير أرقام الأمم المتحدة إلى أن أكثر من نصف الشعب السوري بات لاجئاً في دول العالم المختلفة، أو نازحاً داخل بلده، في أكبر أزمة نزوح في جميع أنحاء العالم، مع نزوح أكثر من 6.7 مليون سوري داخل البلاد، واستضافة تركيا ولبنان والأردن والعراق ومصر لنحو 5.5 مليون لاجئ، ومئات الآلاف منتشرون في 130 دولة، ويعاني 70% منهم من فقر مدقع، من دون الحصول على الغذاء والماء والخدمات الأساسية.
يشار إلى أن النمو في عدد المهاجرين الدوليين على امتداد العقدين الماضيين بلغ 281 مليون شخص في عام 2020، بعد أن كان 173 مليوناً في عام 2000 و221 مليوناً في عام 2010. حيث يمثل المهاجرون الدوليون حالياً حوالي 3.6% من سكان العالم، إلا أن البلدان العربية تشكل مجالاً كبيراً لهذه الظاهرة، فيما يشكل الاتحاد الأوروبي الوجهة الرئيسة للهجرة العربية.
مفارقات اللجوء الأوكراني
لم يكد يبدأ تدفق اللاجئين الأوكرانيين على الدول الأوروبية المحيطة حتى انتشرت عبر الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي أخباراً ومعلومات حول حدوث تمييز عنصري وعرقي واضح في التعامل مع نازحي أوكرانيا، حيث جوبه الآلاف من العرب والأفارقة وغير الأوروبيين ممن يقيمون في أوكرانيا بتمييز عنصري واضح في محاولاتهم للهرب من الحرب والخروج من أوكرانيا.
وبثت وسائل الإعلام فيديوهات تظهر منع أفارقة وعرب من صعود القطارات التي تقل النازحين الأوكرانيين فيما تعيق بعض الدول المحيطة استقبال مثل هؤلاء النازحين.
جانب آخر من التمييز يبدو واضحاً عند المقارنة بين تدفق المساعدات الغربية على اللاجئين والنازحين الأوكرانيين بسخاء، وبين تقصير المجتمع الدولي والدول الغربية تجاه الحاجات المتزايدة للاجئين في دول العالم الثالث، وهو تقصير يظهر واضحاً في موازنات المؤسسات الاممية والدولية المعنية باللاجئين.
أين العالم الثالث من الأزمة؟
رغم بعدها الجغرافي تفيد قراءة في خارطة المصالح التي تربط الدول العربية بأطراف الصراع في الأزمة الأوكرانية، بأن تأثيرات الأزمة وتداعياتها في منطقتي شمال أفريقيا والشرق الأوسط يمكن أن تكون أكبر بكثير مما يتوقع، بسبب ارتباط تلك المصالح بمجالات حيوية في حياة الناس وفي علاقات دول المنطقة من الناحية الاستراتيجية.
وبقراءة مركزة في علاقات هذا البلد الشرق أوروبي بالعالم العربي، يمكن رصد الدور التنافسي الذي تلعبه أوكرانيا مع روسيا كمصدر أساسي للمواد الغذائية الأساسية (حبوب، زيوت، لحوم) لعدد كبير من الدول العربية التي تعتمد على واردات القمح عبر البحر الأسود، والذي يوجد بدوره في قلب التوتر العسكري، وهو ما ينطبق أيضاً على تصدير الغاز للعالم الثالث.
من شأن هذه التطورات أن تضع الدول المعنية أمام خيارات صعبة، فإما اللجوء إلى ضخ اعتمادات إضافية للميزانية بمئات الملايين من الدولارات لدعم المواد الأساسية التي ستتأثر بارتفاع الأسعار، أو المضي في نهج سياسات رفع الدعم عن المواد الأساسية وبدرجات متفاوتة.
التضامن الإنساني
عالمياً وإنسانياً؛ بحاجة اليوم للتضامن الإنساني بيننا كأمم، وإلى مقاربات جديدة واتفاقات دولية تراعي أساساً إنسانية اللاجئين والمهجرين وتضمن حقوقهم، مع أهمية التشاركية في الجهود، والاهتمام بكل الفئات وتمكينهم ومساواتهم مع مواطني الدول المستضيفة، ومطلوب استمرارية الحوار بين المجتمع المدني والحكومات والجهات الدولية لإدراج حمايات اللاجئين في نظم الحماية الاجتماعية.
من المهم أيضاً؛ تركيز الإعلام على تخفيف حدة التوتر بين المجتمع المضيف واللاجئين، وإبراز الصورة المناسبة للاجئين في الإعلام، وعدم التركيز على عبء الأزمة فقط، بل لفت الانتباه لـ "الهم المشترك" لمجتمع اللجوء، وضمان وصول المعلومة الصحيحة للمهتمين.