
في بهجة العيد
يستعد العالم بمختلف شعوبه وأجناسه لاستقبال العام الميلادي الجديد، ويترافق ذلك الحدث العالمي مع ذكرى دينية مهمة.. ذكرى ميلاد السيد المسيح.
"المجد لله في الأعالي، وعلى الأرض السلام، وبالناس المسرة"، بهذه الكلمات التي وردت في "إنجيل لوقا" ولد المسيح عليه السلام في مدينة بيت لحم الواقعة جنوب مدينة القدس، ليعتبر عيد الميلاد المجيد ثاني الأعياد المسيحية الكبيرة بعد عيد القيامة.
وبدءاً من ليلة الرابع والعشرين من كانون الأول/ديسمبر وحتى نهاية العام، تحتفل معظم بلدان العالم على اختلافها بأعياد ميلاد السيد المسيح ورأس السنة الميلادية، ضمن أجواء وطقوس تشع بالفرح والتزيينات التي تملأ الطرقات والمنازل المسيحية وحتى غير المسيحية، في أجواء عائلية واجتماعية حميمية.
تُنصب حبال الزينة والأضواء في الطرق والساحات وشرفات المنازل، وتوضع أشجار العيد في كل الأنحاء وتحتها الهدايا الموجهة للأطفال وحتى للكبار، ويتجول "بابا نويل" وهو يوزع الفرح والهدايا على الجميع، ويقام قداس الميلاد عند منتصف الليل، وهو تقليد موجود في أغلب الدول حول العالم، حيث ذُكر في الإنجيل المقدس بأن "الملاك بشر الرعاة وهم ساهرون ليلاً بميلاد المسيح".
وقد تتشابه طقوس الاحتفال هذه في معظم المناطق المحتفلة بأعياد الميلاد، ومنها العديد من البلاد العربية، لكن لكل بلد عاداته وتقاليده التي تختلف أحياناً حتى عن بلد مجاور له. فمسيحيو العراق يحيون هذا العيد بطريقة مختلفة إلى حد ما عن مسيحيي سوريا أو مصر أو الأردن أو فلسطين، ولكل بلد طقوسه وحتى أطعمته الخاصة المرتبطة بهذه المناسبة.
ففي الأردن مثلاً؛ قد ترى احتفال المسيحيين مع المسلمين بشهر رمضان، والعلاقات القوية التي تربط بينهم أمراً عادياً، وليست بالأمر الجديد ولا المستحدث. فطالما جلسوا معاً على موائد الإفطار، وطالما احتفل المسلمون مع المسيحيين في مناسباتهم تحديداً عيد الميلاد ورأس السنة.
أما الاحتفال في فلسطين فله رمزيته الكبيرة، فالسيد المسيح المولود في بيت لحم، وتضم عدة كنائس أهمها كنيسة المهد فوق المكان الذي يعتقد بأن المسيح أبصر النور فيه. حيث تبدأ الاحتفالات بخروج مواكب المحتفلين وفرق الكشافة من بلدة القدس القديمة واتجاهها نحو ساحة كنيسة المهد، ويتجمع رجال الدين والمصلون والمحتفلون وتنصب شجرة عملاقة.
وفي العراق، يذهب الأهالي من الصباح الباكر لجمع أعشاب وأشواك ونباتات برية يابسة لها أسماء محلية مثل "أوزمي وعارون" ومن ثم يحضرون لإيقاد الشعلة. وعند الظهيرة وحتى ساعات الليل، يجتمع حول الشعلة المتقدة الأهالي ورجال الدين وهم يحملون الشموع وينشدون التراتيل والألحان السريانية بانتظار حلول موعد ميلاد المسيح.
بينما تشكل المسيحية ثاني أكبر ديانة في مصر بعد الإسلام، وينتمي أغلب مسيحيو مصر للكنيسة القبطية الأرثوذكسية، مع وجود أعداد أقل بكثير من الأقباط الكاثوليك والروم الأرثوذكس واللاتين والموارنة. أما أطعمة احتفالات عيد الميلاد في مصر فتشمل فتة الخبز والأرز واللحم، والديك الرومي، والسمك، وفطيرة اللحم، إضافة لأنواع الحلويات وهي كعكة الفاكهة وفطيرة القرع وفطائر القرفة والسكر إضافة لكيكة عيد الميلاد التي تزين المائدة.
فيما تعتبر نسبة المسيحيين في تونس والمغرب والجزائر من أقل النسب في العالم العربي، وتبلغ حوالي 0.2%. ولا يمنع ذلك من توافد المئات ليلة عيد الميلاد إلى الكنائس والكاتدرائيات للاحتفال بهذه المناسبة، ولعل ما يميز صلوات العيد وجود الكثير من المصلين من بلدان أفريقية المجاورة وكذلك من أوروبا. كما يحضر كثير من المسلمين هذه الاحتفالات حيث يعتبرونها طقساً يعبر عن التعايش والتآخي.
وبعد مئات السنين على مولد السيد المسيح، فإن أعداءه اليوم، ها هم يحتلون ويدنسون مهده وكنيسته والأرض التي ولد وعاش فيها. فبلاد الشام كلها بلد السيد المسيح، فهو ولد وأمه في فلسطين، وتعمد في نهر الأردن، وها هم الأقربون له يحتفلون كل عام بيوم ميلاده، وهو اليوم الذي يكون فيه النهار في أقصر الوقت والليل في أطوله خلال العام.
ورغم ما نعانيه في الشرق الأوسط المنكوب والغارق ببؤسه وحروبه وفقره، إلا أننا ما نزال نشهد تناغماً بين كافة الأديان، ويتجدد ذلك التناغم بذكرى الميلاد المجيد الذي يعطي دلالة واضحة على العمق الحضاري المنفتح والمعبر عن روح الوطن العربي الذي لا يزال منبراً للتعدد والتسامح الأصيل.
في عيد ميلاد المسيح، حقٌ علينا جميعاً الاحتفال بهذا اليوم المبارك، الذي يعكس ثقافة المحبة بين الشعوب.. فأعياد أبناء الشعب العربي، مسيحيين ومسلمين، هي أعياد وطنية قومية تتآلف فيها القلوب لتقول بصوت موحد: عيد ميلاد مجيد.