
المبتكر العربي…من الإبداع إلى الهجرة!
توافق شبه كامل، ويتجدد كل لحظة، ذلك الذي يؤكد مدى غياب الدعم الرسمي والمؤسساتي للمبتكر العربي، وسط تفاقم المشكلات التنموية والسياسية والاقتصادية في المجتمعات العربية، واتساع رقعة الفقر وتدهور الأوضاع الصحية.
في العالم العربي تحديداً، هناك تغييب جزئي لمفاهيم الابتكار والإبداع في صنع السياسات، وفقدان شبه كامل للقاءات العربية الداعية للتفكير الجماعي لتطوير مفاهيم التنمية والتطوير بين الشباب العربي.
هذه الخلاصة لم تأتِ من فراغ، فكافة المؤشرات تقول إن البيئة العربية وظروفها التي تفتقر للبنية التحتية ويصعب فيها الظرف السياسي، أوصلت الشباب العربي والعقول الإبداعية المبتكرة للسفر والهجرة إلى الخارج.
لا يختلف الحال كثيراً على المستوى المحلي، فثمة طاقات بشرية تحمل على أكتافها مهمة تقدم مجتمعاتها، لتصطدم بعدم توفر الدعم، لذلك نراها في الخارج تبدع وتتقدم. فليس من الصعوبة على الشاب الأردني أن يكون مبدعاً ومتقدماً، إن وفرت له بيئة محفزة على الابتكار، وأجراً عادلاً، وصعوداً في سلم الحياة مادياً ومعنوياً.
ففي العام الماضي تصدرت دولة الإمارات المركز الأول في الابتكار على المستوى العالمي، الذي يعتمد على الأبحاث العلمية ورأس المال الاستثماري، والإنتاج عالي التقنية، إذ بلغت درجتها 41.4%، تلتها تونس بـ 31.2%، ثم السعودية 30.9%، وقطر 30.8%، والمغرب 29%، والكويت 28.4%، والبحرين 28.4%، والأردن 27.8%، وعُمان 26.5%، وأخيراً لبنان 26%.
رغم أن الأمر قد يبدو بسيطاً في ظاهره، إلا أنه على صعب على أرض الواقع، بسبب ظروف أبناء الدول العربية، الذين يقعون تحت وطأة مشكلات اجتماعية واقتصادية وسياسية موجودة منذ عقود، والمعنيون لم يجدوا حلولاً لها، ولهذا تتفاقم وتتناسل من رحمها مشاكل جديدة.
على سبيل المثال؛ لاتزال الجهات الرسمية، والمعنية بوضع السياسات تعتمد نفس طريقة التفكير القديمة والبالية، والتي أثبتت حتى اللحظة عدم جدواها في العديد من المشكلات، ويغيب عنها مفاهيم عديدة مثل؛ الابتكار؛ والاقتصاد القائم على المعرفة؛ والريادة وغيرها.
إن توفير بيئة حاضنة للشباب العربي، وتهيئة ظروف عمل لائقة في مجتمعاتنا، يعني أننا نحو تغيير وتحسين جذري لاقتصادنا. فكثير من الشركات والمؤسسات التي اجتازت موجة الابتكار والتكنولوجيا الحديثة، هي التي كانت مستعدة لتغيير خطة أعمالها، أو تعديل منتجاتها وخدماتها، أو إجراء تحول أساسي في طريقة عملها.
وعليه؛ فالابتكار يحتاج إلى قيم علمية وثقافية، تدفع بتطوير البنى الإنتاجية والمرتكزات المعرفية، وتخرجنا من براثن الفقر المعرفي إلى آفاق الابتكار، ما يتطلب أيضاً، وجود سياسة علمية رصينة تكون حرية التفكير والتعبير حجر الزاوية فيها.
هناك ضرورة لعودة الدور المحوري للجامعات في التقدم بالاقتصاد المعرفي، وتحفيز بيئيتي الإبداع والابتكار في العقل العربي، والعمل على تحسين جودة التعليم عبر أساليب متجددة كالتنقيب والاستكشاف، وصولاً لرسم معالم جديدة للظروف الاجتماعية الاقتصادية والأداء المؤسساتي بالعالم العربي.
نعم؛ لدينا من يفكر "خارج الصندوق"، ولدينا شباب قادرين على طرق جدران المعرفة، لكنهم يفتقدون من يسمعهم...كم نحن بحاجة لإرادة سياسية قوية، وحركة مجتمعية فاعلة، ومناخ أعمال مشجع، تعمل على تصور شامل مدخله سياسي وثقافي، وناتجه اقتصادي، لبناء اقتصاد معرفي قوي قائم على الابتكار!