
"العب بالمقصقص ليجي الطيار"
يشيح بنظره عن شاشة "الكمبيوتر" الموضوع أمامه، بعد أن كان منغمساً في العمل والمطالعة، ويستقبل زبائن دكانه البسيط الذي ورثه عن والده في إحدى "حارات" مدينة اربد شمالي الأردن، بابتسامة دافئة ويلبي طلباتهم برحابة صدر. الشاب عبد الله القاسم 22 عاماً يتحدث لموقع "هنا صوتك" عن نجاحه بتحقيق حلمه في تعلم البرمجة، رغم الظروف الصعبة التي لازمته في رحلة التعلم.
"مستعد اشتغل أي إشي ولا إني أمد إيدي للناس" يستهل القاسم قصته ويروي لنا كيف كان لدى وفاة والده وغيابه عنه، الأثر الأكبر والتحدي الأصعب بحياته، فيقول "أذكر حين وفاة والدي كنت أبلغ من العمر 14 عاماً، وقد كنت في المدرسة ذاك الوقت، حين قرع أحد الطلبة باب الصف ليخبر الأستاذ بأن المدير يطلبني، فذهبت هناك ووجدت والدتي تحاول إخفاء دموعها، لكن عيناها كانتا قد خذلتاها، فعرفت حينها دونما أن تنطق بأن والدي قد توفاه الله، كيف لا؟ وقد كانت تلك المرة الأولى التي زارتني فيها والدتي في المدرسة، وكنت على يقين بحدوث هذا في أي وقت، فقد كان أبي مريضاً بمرض عضال قد توقف فيه العلم عن مساعدته".
ويضيف "أنا أكبر أخواتي الثلاث، وليس لدي من الإخوة الذكور أحد. كنا نعيش كأسرة "على قد الحال" من ريع الدكان الذي امتلكه والدي، وحين وفاته اضطررت إلى ترك مقاعد الدراسة، والعمل في دكان والدي. كنت أجلس على باب الدكان صباحاً أراقب أصدقائي بغصة وألم وهم ذاهبون إلى المدرسة، فقد كنت أحلم بأن أكمل دراستي، وأتخصص بعلم الحاسوب والبرمجة في الجامعة ... هذا كان حلمي وعشقي، لكن ذاك المرض "اللعين" سلبنيه".
دكان القاسم
وبعد هنيهة من الصمت الغريب يكمل القاسم قوله "لا أنكر أنني ولفترة طويلة كنت قد تناسيت حلمي، وانشغلت بالدكان ومصاريف العائلة، حتى لا نحتاج لأحد، ولكن في أحد الأيام سمحت لنفسي بالتساؤل عما سأفعله بالمستقبل، وهل ستكفي هذه الدكان المصاريف المتزايدة؟ وهل ستقف في وجه طوفان "المولات"؟ ... طبعاً لا! فبدأت التفكير بحلمي بأن أصبح مبرمجاً، لكن الوقت قد فات لأرجع إلى مقاعد الدراسة، ولتزيد الطين بلة أتت جائحة "الكورونا" لتقضي على أفكاري، لكن جاءتني إرهاصات بأن أكمل هذا الحلم، فأقدمت على المغامرة في التسلل إلى الدكان في أوقات الحظر وفتحه للزبائن، وكنت أبيع المواد التموينية بأسعار أعلى من سعرها الطبيعي حتى أستطيع شراء "لابتوب" مستعمل لأبدأ مشواري".
وعن تعلمه اللغات البرمجية يقول القاسم "إذا أردت شيئاً بصدق ستجد ألف طريقة لتحقيقه" ويضيف "بدأت بتعلم البرمجة من الدورات المجانية التي قدمتها بعض الشركات الكبرى أثناء الجائحة، وقضيت مئات الساعات على "اليوتيوب" للتعلم، وبدأت بإنشاء التطبيقات والبرامج شيئاً فشيئاً، وكان أول انتاجاتي برنامج محاسبة وجرد للدكان، ثم اتقنت برمجة المواقع الإلكترونية، فبدأت بالترويج لنفسي على مواقع التواصل الاجتماعي، وفي البداية كنت أقبل مبالغ زهيدة لقاء العمل وذلك لأطور من نفسي ولأكوّن شبكة من العملاء والتجارب"
يعمل القاسم الآن بجانب دكانه بوظيفة مبرمج عن بعد، مع العديد من الشركات المحلية والعالمية، ويرفض ترك دكانه ويقول "لن أتركها ما حييت، ففيها رائحة الوالد، ومنها كانت انطلاقتي". ويشير القاسم إلى العديد من أقرانه ممن درسوا في الجامعات بالقول "للأسف؛ غالبية من أعرفهم ممن تخرجوا من الجامعات عاطلون عن العمل بسبب انتظارهم لفرصة العمل عن طريق شهادتهم، دون أي تطوير أو تحديث في مهاراتهم، بينما يمكنهم العمل بأي مهنة كانت وفي الوقت ذاته يستطيعون تطوير أنفسهم، وسيأتي اليوم الذي سيفرضون هم أنفسهم على أصحاب العمل توظيفهم ضمن تخصص دراستهم لكفاءتهم". وينهي حديثه بالمثل الشعبي الذي يقول "العب بالمقصقص ليجي الطيار" -يُقصد بهذا المثل أن يتأقلم الشخص مع ظروفه الحالية، ويتحلى بالصبر حتى تأتي الفرصة المناسبة لتحقيق حلمه-