البيئة والتنمية.. نافذتان نحو التغيير!

بعد عقود من النزاعات والحروب في المنطقة العربية، واستنزاف الموارد الطبيعية بسبب الانفجار السكاني، بات واضحاً الوضع الحرج الذي تعانيه البيئة، خصوصاً أن الحلول المقترحة للتحديات القائمة، ظلت آنية وفي مكانها، غير مدركة أبعاد الدراسات المستقبلية والاستدامة في منظورها.

مبعث ذلك الحديث، ارتباط البيئة وضرورتها بالأمن الإنساني والنهضة الاقتصادية والاجتماعية للشرق الأوسط، خصوصاً أنها أصبحت أكثر تأثيراً في الحاضر والمستقبل، وبالتالي، لا يكون للتنمية المستدامة أي معنى؛ إن لم تكن المحافظة على البيئة محوراً أساسياً للتنمية.

الحقيقة الثابتة اليوم، والتي لا يمكن القفز عنها، هي أن البيئة جزء أساسي من التنمية البشرية والاحتياج البشري، وتدخل في حياتنا اليومية، كما أن ركائزها لا تتوقف على إدارة النفايات فقط، إنما تدخل أيضاً في المياه والصرف الصحي، واستدامة الطاقة وتغير المناخ، والحد من مخاطر الكوارث.

بشكل عام؛ يتفاوت أداء البلدان في كل ركيزة بشكل كبير، فمن بين الدول العربية، يعد الأردن ومصر والمغرب من الأكثر ارتفاعاً في مؤشر الاستدامة البيئية، لكن ذلك لا يعني، بأن تلك الدول خرجت من دائرة الخطر، بسبب ما تعانيه من ندرة المياه والتهديدات التي يمثلها فقدان التنوع البيولوجي.

فمثلاً؛ تتعرض محمية ضانا الطبيعية جنوبي الأردن لتهديد كبير، بعد قرار مجلس الوزراء الأخير، القاضي بتعديل حدودها واقتطاع ما مساحته 60كم مربع؛ لغايات التنقيب عن النحاس، وكذلك أزمة بناء سد النهضة الإثيوبي التي تعتقد مصر والسودان أنه سيقلل حصتها من مياه النيل، وقد يُحدث فيضانات.

محلياً؛ ووفق نتائج المؤشر الأردني للتنمية والازدهار، الصادر عن مركز مؤشر الأداء "كفاءة"، تبين أن مؤشر البيئة للعام الماضي، بلغ 31%، فيما احتل الأردن المرتبة 17 في مؤشر الاستدامة البيئية، وفقاً لتقرير صادر عن "الإسكوا" مطلع الشهر الحالي.

في المقابل؛ يتوقع التقرير أن يؤدي التحضر السريع، وتغير المناخ، وارتفاع منسوب مياه البحر إلى تفاقم مخاطر الكوارث في المنطقة العربية وخارجها، بحيث يمكن للكوارث أن تؤثر سلباً على جميع البلدان، بصرف النظر عن حالة دخلها، على الرغم من أن معظم الوفيات تحدث في أقل البلدان نمواً.

المقلق والخطير فيما أظهرته مؤشرات التقرير الذي بين أيدينا، أن إشكاليات البيئة والتنمية المستدامة أضحت تشكل أحد الرهانات الكبرى التي تواجه المنطقة العربية، خاصةً الهشة منها، وتظهر أن هناك استنزافاً غير مسبوق للثروات الطبيعية، وارتفاعاً مهولاً في نسبة التلوث، واختلالاً عميقاً للتوازن البيئي على الصعيد العالمي.

في أغلب الظن، أن لا حدوداً سياسية ولا جغرافية تقف أمام تأثيرات وتبعات تلك الوضعية المقلقة التي تعيشها المنطقة، وسط تفاقم آثار سلبية واضحة من الناحية الاقتصادية والاجتماعية والصحية، والتي تكشفت مؤخراً، بصورة كبيرة خلال جائحة كوفيد-19.

وأمام تلك الصورة الواضحة، لا يمكن التصدي لهذه الإشكالات -كما أعتقد- إلا من خلال تعاون وطيد بين الدول، خصوصاً أنه ليس بمقدور أي دولة بمفردها، مهما بلغت إمكاناتها، مواجهة هذه المشاكل وحدها.

ذلك كله يحتاج منا أيضاً، إرادة سياسية تحافظ على البيئة، وتقوم على تجنيد الطاقات وتكريس الجهود لتنمية مستدامة تجعل من البيئة ركيزة أساسية في أعمالها، مع ضرورة إدماج البعد البيئي في مختلف الاستراتيجيات القطاعية والمخططات التنموية.

والأهم؛ إن حل تلك الإشكالات سيظل رهيناً بانخراط كافة مكونات المجتمع، من خلال تحول ثقافي عميق، أساسه تنمية الوعي البيئي، خاصة لدى الأجيال الناشئة، وترسيخ ثقافة التنمية المستدامة، عبر إدراجها في برامج التربية والتعليم.

من هذا القلق العميق، لا يمكن بعد اليوم التغافل عن ضرورة تظافر الجميع للنهوض بالقطاع، تعزيزاً لحماية البيئة، كونها المصدر الرئيسي لديمومة الزراعة والغذاء، وتشجيع الاستثمار في المشاريع الصديقة للبيئة... ودون ذلك؛ فإن كل أحاديثنا عن البيئة والتنمية ستكون من غير جدوى تذكر!