
الاقتصاد المعرفي أهميات وضرورات
مع نهاية القرن العشرين أثرت المعرفة ذات الطبيعة التكنولوجية في العالم، وساهمت في تغيير ملامح المجتمعات، فظهر تأثيرها في مجالات لم يكن يتوقعها الإنسان في الماضي، فاستُثمرت في السياسة، والاقتصاد، والعلوم، والفكر البشري الذي صار يواكب تطورات المعرفة باستمرار.
ولعل ذلك ما أظهر العديد من المصطلحات التي لم تكن معروفة في الماضي، وعلى رأسها الاقتصاد المعرفي أو اقتصاد المعرفة، الذي يتبين أن مفهومه قائم في أن المعرفة هي المحرك الرئيسي للنمو الاقتصادي، ويعتمد على توافر تكنولوجيا المعلومات والاتصال واستخدام الابتكار والرقمنة، على عكس الاقتصاد المبني على الإنتاج الذي يعتمد على الموارد الطبيعية والعمالة ورأس المال. ويقوم الاقتصاد المعرفي على أركان عدة: التعليم؛ البنية التحتية للمعلومات الحيوية، الابتكار؛ نظام اقتصادي ومؤسسي.
بطبيعة الحال؛ زاد تأثر الاقتصاد المحلي والعربي خلال العقد الماضي، جراء التداعيات السياسية على الساحتين الإقليمية والعالمية، وهنا؛ لا يمكن أن يُعزل الاقتصاد الوطني عن المتغيرات المتسارعة التي تصيب اقتصاديات دول العالم.
عربياً؛ تأثر المجتمع العربي في الاقتصاد المعرفي إيجابياً عبر مساهمته في تقديم الدعم للتنمية الاقتصادية المعتمدة على التطور التكنولوجي، خاصة في الشركات التجارية التي تجمع بين التجارة ووسائل المعرفة للخروج بمنتجات جديدة، كما طور في تقنيات الاتصالات الذي رافقه لاحقاً الانتشار الكبير لشبكة الإنترنت.
محلياً؛ وتحديداً في العام الماضي، فقد تراجع الأردن إلى المرتبة 79 عالمياً من بين 138 دولة، في مؤشر المعرفة العالمي لعام 2020 والذي يصدر سنوياً عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة، مقارنة مع العام 2019 حيث صعد إلى المرتبة 70، بعد أن كان في المرتبة 76 في المؤشر عام 2018.
المؤشر ذاته، أظهر أن أداء الأردن "متوسط "من حيث البنية التحتية المعرفية، فحصل في المؤشرات الفرعية على المرتبة 110 من 138 دولة في مؤشر التعليم قبل الجامعي، والمرتبة 85 في مؤشر التعليم التقني والتدريب المهني، والمرتبة 50 في مؤشر التعليم العالي، و75 في مؤشر البحث والتطوير والابتكار، و73 في مؤشر تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، و59 في مؤشر الاقتصاد، و87 في مؤشر البيئات التمكينية.
تلك المؤشرات، تؤكد حقيقة أن المعرفة ليست "ترفاً فكرياً"، وأنها أصبحت أهم عنصر من عناصر الإنتاج، وبات ترتكز على طبيعة عمل المؤسسات في جميع قطاعات المجتمع، والكيفية التي يتم بها الاستغلال الأمثل لعناصر الإنتاج.
اليوم؛ ليس هناك "حل سحري" للحصول على نتائج مميزة وسريعة، من شأنها تحسين بيئة الاقتصاد، إلا أننا نملك عقولاً شبابية عربية بحاجة لبيئات عمل ملائمة لها، تمكنهم من العمل والتطوير، خاصةً أن هناك العديد من العقول الشابة التي تهاجر إلى الغرب الذي يقدم لها جميع السبل للتطوير والعمل والإنتاج.
في المجمل؛ لا يمكن تغافل جملة التحديات التي تواجه مجتمعات منطقتنا اليوم، فمن البطالة بين الشباب العربي، إلى التحولات السياسية والاجتماعية والاقتصادية المهددة لاستقرار وأمن المنطقة، التي تؤدي في أغلب الأوقات إلى حالات من الفوضى وعدم الاستقرار، تحديات كبيرة على دول المنطقة التصدي لها والعمل على حلها وتأهيل المناخ المناسب للأجيال القادمة للنهوض باقتصادات المنطقة المتهالكة.
لقد أصبح الاقتصاد القائم على المعرفة خيار حتمي لكل الدول، ولا مجال لتأجيله أو الهرب منه، وآن الأوان لتأطير الاقتصاد المعرفي في الوطن العربي والاستثمار به، وفق خطة استراتيجية تعمل على تأهيل المنظومة التعليمية، وصقل مهارات الشباب، فضلاً على ضرورة تسخير القطاعين العام والخاص للعمل على تطوير الاقتصاد المعرفي، والتوجه له عوضاً عن الممارسات والاستثمارات العشوائية التي تهدر من خلالها الأموال العامة والخاصة.