ملكون ملكون يكتب: الإندماج في السويد ... طموحات وعقبات؟!

في أول شتاء قارص عشته في السويد كانت درجة الحرارة قد وصلت إلى 15 تحت الصفر. كنت ومجموعة من المهاجرين من مختلف الجنسيات في المرحلة الأولى لتعلم اللغة السويدية، وفي إحدى الحصص طلبوا منا أن ننتقل لقاعة أخرى لإجتماع عاجل، فانتقلنا وتجمعنا في قاعة واحدة، بعدها دخلت امرأة متجهمة الملامح ممتعضة أخبرتنا عن أهمية خضوعنا لدورة تدريبية تسمى "المجتمع السويدي" وهي خاصة بمعلومات عن السويد لتساعد المهاجرين على الاندماج، وبعقلية ساذجة سألتُ المتحدثة السويدية: "أعتقد أن الاندماج عملية مزدوجة، هل لديكم خطط ليتعرف الشعب السويدي على ثقافة وعادات وتقاليد الشعوب المهاجرة إليها كي تصبح عملية الاندماج أسهل؟"، عندها نظرت لي المتحدثة السويدية بامتعاض قائلة: "لا خطط لدينا بذلك" وغادرت القاعة.

قبل ذلك بسنوات وتحديداً عام 2008 نشرت صحيفة "آفتون بلادت" السويدية واسعة الانتشار مقالاً للكاتب "يان غيو" حمل عنوان "السويد بحاجة إلى المزيد من اللاجئين"، ذكر فيه دراسة سابقة كانت قد أكدت على أن السويد تعاني من اختلال في النمو السكاني، حيث سيضطر عدد قليل من القادرين على العمل في العام 2050 على إعالة أضعاف عددهم من المتقاعدين. فالسويد ستعاني -حسب الدراسة- نقصاً في نسبة الشباب بسبب معدلات الولادة المنخفضة فيها. وهذا يعني أن أحد الحلول المناسبة لهذه المشكلة -حسب غيو- هو فتح باب الهجرة إلى البلاد.

 صعوبات وتحديات

 عملية دمج اللاجئين في المجتمع السويدي هي في الواقع عملية مركبة، فهي من ناحية تتوجه لدمجهم بالمجتمع عبر مجموعة من الآليات والإجراءات، ومن ناحية أخرى هي عملية دمج للاجئين فيما بينهم لخلق وحدة اجتماعية متجانسة منهم. فاللاجئون ينحدرون من خلفيات عرقية وقومية وثقافية ودينية مختلفة، بعضها قد يتعارض مع البعض الآخر، ويعيش معها في حالة صراع. مما يجعل عملية الدمج تواجه الكثير من الصعاب، لاسيما إذا عطفنا ذلك على قلة خبرة السويد في التعامل مع ثقافات بعيدة عنها. فالسويد، بنأيها الجغرافي، وبغياب إرث استعماري في تاريخها، وبضعف إسهاماتها في مجالي الانثربولوجيا والاستشراق، تبدو بعيدة عن إدراك الخلفيات الثقافية لمجتمعات اللاجئين إليها.

بيد أن الخطأ الكبير الذي ارتكبته المؤسسات السويدية في تعاملها مع الاندماج، هو بتركها هذه العملية الحيوية بيد الآلة البيروقراطية لإنجازها. وبهذا كرست عوامل الانفصال داخل المجتمع السويدي، لأنها لا تنظر إلى أي حالة أو موقف وفق سياقه الحقيقي، وإنما من خلال مدى توافقه مع الشروط الإدارية الشكلية التي خلقت لتحويل ما يتمتع به ويتيحه المجتمع السويدي وقوانينه من ممكنات للتعبير عن القيم الثقافية أو الفردية، إلى عناصر تحرض وتساعد على التقوقع والانغلاق.

 ومما دعّم هذا الانعزال والانغلاق هو سياسة العزل والتهميش التي تمارسها الكثير من الجهات داخل المجتمع السويدي، فمثلاً تدفع شركات السكن وإدارة البلديات باللاجئين إلى التركز في مناطق محددة، من خلال تضييق فرص الاختيار الحر لهم، هذا ناهيك عما يتركه من أثر سلبي في الأجواء العامة، والنفور الذي يبديه السويديون من فكرة مخالطة الأجانب في منطقة سكنية واحدة. هذه وغيرها من الأسباب من حرضت اللاجئين على التقوقع وإقامة التجمعات المغلقة.

طموحات

من المؤكد ان الطموحات لتفعيل خطط الإندماج في السويد كبيرة، ورغم كل الصعوبات إلا أن العمل الجاد من قبل الحكومة السويدية لا يزال مستمراً لتجسير العلاقة بين المهاجر والبلد الجديد الذي وصل إليه.

وفي هذا المجال هناك تجربة رائدة بدأت منذ أكثر من عشر سنوات كمشروع يسمى  SPRÅKVÄN  "صديق اللغة" بدأ من بلدية اسكلستونا و انتشر بأكثر من 120 بلدية في السويد، ويقوم المشروع على ربط مواطن سويدي بمهاجر لتنشئ صداقة بينهما وتتكرر لقاءاتهما وتكون الاستفادة مزدوجة حيث يستفيد المهاجر بتعلم اللغة السويدية والتعرف على العادات والتقاليد والثقافة السويدية، ويستفيد المواطن السويدي بتسهيل اتصاله مع القادمين الجدد وتبديد الصورة الرمادية التي تُسوّق عنهم، ويستهدف المشروع المهاجرين الذين لا يقل عمرهم عن 18 عاماً.

"صديق اللغة" برنامج طموح، وأعطى نتائج جيدة حتى الآن، ويضاف إلى مجموعة من البرامج والأنشطة التي تهتم بالإندماج في السويد.     

 آراء

وعن بعض آراء ممن يعيشون تجربة الاندماج في السويد:

يقول المهندس معن حيدر: "يمكن تفعيل عملية الاندماج من خلال دور أكثر فعالية للحكومة، خاصة في مجال إعادة النظر في جدوى مناهج تدريس اللغة للاجئين، ودرو أكبر للبلديات أيضاً عبر حملات تُشرك فيها المؤسسات المحلية، ووسائل الإعلام، يكون هدفها التوعية في مسائل الحق العام والممتلكات العامة والبيئة".

ويقول الشاعر وفائي ليلا: "من المجدي أن يحافظ الناس على اختلافهم وتنوعهم، وعلى غنى ثقافاتهم، وأن يكون الاندماج مبنياً على التفهّم والاحترام المتبادل من الطرفين. كما يجب أن يتخلص القادم الجديد –اللاجئين- من رواسب وأفكار قديمة، وهذا يعد تحدياً وواجباً ضرورياً. وعلى المجتمعات الحديثة تقبّل الآخر كذلك، وتبنّي سياسات مناسبة مبنية على التساوي الحقيقي بالفرص، ومنح حياة كريمة للجميع أيضاً".

ومن جهته يقول الدكتور كبرييل دنحو: "تبنت السويد خططاً بناّءة للاندماج، لكن التواصل الاجتماعي الذي طالبت به السويد أرى أنه باء بالفشل إلى حد ما لسببين؛ أولهما، ممارسات وأخطاء وزلات المهاجرين، والميل نحو خلق أجواء غير معتادة لدى السويديين مما شكّل نظرة سلبية من قبلهم تجاه المهاجرين؛ وثانيهما، مسألة نمو اليمين المتطرف الرافض للمهاجرين".