إيمان أبو قاعود تكتب: ثائرة عربيات.. أردنية تسعى للحفاظ على الحرف التقليدية والأثواب التراثية

على الرغم من انقطاع ثائرة عربيات صاحبة مشروع "مهدّبات الهدب" عن الدراسة وهي فتاة لم تتجاوز الأربعة عشر عاماً، إلا أن ذلك لم يمنعها من قراءة ما يقارب 11 ألف كتاب في التاريخ والأدب والثقافة، إضافة إلى التحاقها بحوالي 71 دورة تدريبية في مجالات متعددة وذلك لإيمانها المطلق بأهمية الثقافة والمعرفة، ولإدراكها التام بأن لكل إنسان هدفاً ورسالة في هذه الحياة.

هي سيدة في مقتبل الأربعينيات من العمر، مهتمة بالتراث الأردني عموماً، وبإعادة إحياء الحرف الوطنية خصوصاً و"تهديب الشماغات" منها، أي "تزيين حواف الأوشحة والشماغات تحديداً يدوياً بخيط قطني أبيض". وهكذا، استوحت عربيات من أغنية الفنانة الأردنية سلوى العاص "مهدّبات الهدب" اسماً لمشروعها الذي تسعى من خلاله لتوثيق الهدب الأردني المتنوع واستحداث "غُرز" جديدة تساعد في تجميل الشماغات، ليرتديها أشخاص من مختلف الأعمار.

بداية مبكرة

تقول عربيات لشبكة نساء النهضة "عندما تزوجت في عمر مبكر، احتضنتني والدة زوجي وهي الأم الروحية لي، والتي بذلت مجهوداً كبيراً في تطوير شخصيتي، وصقل مواهبي، فعلمتني "التهديب" على أصوله. كانت تهتم بأولادي لأستطيع اللحاق بالدورات التدريبية وتذكرني بأن بداخلي جوهرة ومهارة يجب أن أحافظ عليها وأطورها. كصبية في الرابعة عشرة، لم أفهم قصدها في حينها، إلا أنني فهمت لاحقاً بأنني أمتلك مهارات فنية لإحياء التراث، والحفاظ عليه، مع القدرة على العطاء، وإرادة قوية لتطوير أسرتي".

تتابع عربيات بأنها بدأت العمل بأجر بسيط في حرفة تهديب الشماغات بعد إتقانها،  مضيفة "لم أحتكر العمل لوحدي، فعلّمت من حولي من الجارات والصديقات والقريبات، وتطور الأمر فقمت بتأسيس مشغلي الخاص". وتوضح بأنها كانت تقوم بإعطاء دورات تدريبية بالتعاون مع الجمعيات والمبادرات فقدمت خلال سبع سنوات ما مجموعه 48 دورة تدريبية، استفادت منها 525 سيدة وفتاة، منهن من أسست مشروعها الخاص وأصبح مصدر رزق لها ولعائلتها.

"في ظل التطور في الأزياء، ولأنني أسعى للحفاظ على الموروث الشعبي، إضافة إلى رغبتي في أن يرتدي الجميع الشماغات المهدبة، قمت بتدريب السيدات على التطريز بأشكال مختلفة، وتفصيل الشماغات بأحجام، وأشكال، وألوان صغيرة تناسب الأطفال، والسيدات، وذلك لأن الشماغ مقتصر على الرجال وهو من أهم ألبستهم التقليدية، وله مدلولاته العربية والتراثية". تقول عربيات.  

اهتمام بالتراث والتوثيق

 بدافع من اهتمامها بالتراث، قررت عربيات أن تجمع المعلومات عن الأثواب التراثية القديمة في محافظات المملكة، وتوثيقها فصارت تجمع الأثواب، وتشتريها من السيدات لتحتفظ بها. "لدي ثوب من البلقاء عمره 180 عاماً ويسمى الدلق البلقاوي"، تشير عربيات أثناء حديثها لشبكة نساء النهضة.

ولرغبة عربيات في الترويج للحرف التقليدية، قدمت عطاء لوزارة السياحة، للاستفادة من أحد المحال التجارية في مدينة السلط، وأطلقت عليه "بيت خيرات السلط"، مخصصة إياه لبيع منتجاتها من الملابس المطرزة، والشماغات المهدبة، بالإضافة إلى بيع منتجات غذائية تصنعها 60 سيدة يدوياً من اللبنة، والجبنة، والمخللات، والسماق، وغيرها. يتوفر الكعك الأصلي في المحل كذلك مع غيره من المنتجات، مؤكدة بذلك على أهمية دعم السيدات المُنتجات وعملهن.

دعم مستمر لا يتوقف

عربيات التي لم يمنعها الزواج المبكر من تطوير مهاراتها وقدراتها، فوجدت في "والدة زوجها" الأم الداعمة والحنونة التي وقفت بجانبها لتصبح من أشهر السيدات المعروفات بحبهن للموروث الشعبي التراثي في مدينة السلط، ودعمهن لجميع المشاريع الريادية والتطوعية، إذ يظهر ذلك من خلال دعمها لأولادها الجامعيين، فأسست "كافتيريا" لأبنائها ليعملوا فيها إلى حين حصولهم على وظائف. كما وظفت ابنتها لتكون مسؤولة عن صفحات مواقع التواصل الاجتماعي الخاصة بالمشروع مقابل راتب شهري، وساعدت زوجها أيضاً في تأسيس مشروعه الخاص.

تعمل "شبكة نساء النهضة" تحت مظلة منظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية (أرض)، وتسعى لتسليط الضوء على قصص نجاح السيدات، في مختلف مواقعهن، وكيف تغلبن على التحديات التي واجهتهن ضمن سلسلة من القصص التي سيتم نشرها تباعاً عبر مواقع التواصل الاجتماعي.