
نايف منجد يكتب: التحول إلى الاقتصاد الأخضر... مبادرات شبابية أنموذجاً
يعاني الأردن مشكلات متعددة الأبعاد منها الاقتصاد الهش، والفقر، والبطالة، بالإضافة إلى شح في المياه والمصادر الطبيعية، أضف إلى ذلك هجرة الشباب والأيدي العاملة من القرى باتجاه المدن التي أصبحت بمثابة غابات إسمنتية تطغى على المساحات الخضراء القليلة المتبقية في هذا البلد الفقير بالغطاء الأخضر. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الأردن يقع ضمن البلدان ذات البصمة الكربونية الأكبر من قدرة منظومتها البيئية على التجدد وذلك حسب منظمة "غلوبال فوتبرينت نتوورك"، وهي منظمة بحثية دولية مستقلة لتطوير أدوات الاستدامة وتشجيعها، بما في ذلك البصمة البيئية والقدرة البيولوجية.
إذ أظهرت أحدث دراسة بيئية لمنظمة "غلوبال فوتبرينت نتوورك" للعام 2021 بأن البشرية تستنزف موارد كوكبنا بكميات تدميرية متزايدة، وحددت الدراسة أن "يوم تجاوز الأرض" للعام 2021 سيكون في 29 تموز/يوليو، وتعني المنظمة به ذلك اليوم من السنة الذي يتجاوز فيه طلب البشرية على الموارد الطبيعية القدرة البيولوجية السنوية للأرض على التجدد. وهذا يشير إلى أنه ما بين 1 كانون الثاني/يناير و29 تموز/يوليو2021، ستكون البشرية قد استهلكت ما قيمته سنة من قدرة الأرض على التجدّد في وقت قياسي يبلغ 213 يوماً.
المستقبل في الاقتصاد الأخضر
ظهر مفهوم "الاقتصاد الأخضر" عام 2008، بشكل مبادرة قدمها برنامج الأمم المتحدة للبيئة من أجل تفعيل التنمية المستدامة والقضاء على الفقر. وتعرّف الأمم المتحدة الاقتصاد الأخضر على أنه "نظام أنشطة اقتصادية تتعلق بإنتاج وتوزيع واستهلاك البضائع والخدمات، ويفضي في الأمد البعيد إلى تحسن رفاه البشر، ولا يُعرّض في الوقت نفسه الأجيال المقبلة إلى مخاطر بيئية أو حالات ندرة إيكولوجية كبيرة". ويتضح أن هذا الاصطلاح يمزج بين التنمية الاقتصادية والاعتبارات البيئية، وهو ما يناقض ما يُعرف بـ"الاقتصاد الأسود" الذي يقوم على الاستخدام المكثف للبترول والغاز الطبيعي والفحم الحجري. ويرتكز الاقتصاد الأخضر بشكل رئيسي على استخدام موارد الطاقة المتجددة، والمباني الخضراء، والمواصلات العامة والخاصة غير الملوثة للبيئة، وإدارة المياه الفعالة، وإدارة مياه الصرف الصحي من خلال تقنيات التكرير وإعادة الاستخدام، وتبّني مشاريع إعادة التدوير التي من شأنها تقنين الهدر في الموارد الطبيعية.
ويتوقع المحللون والخبراء أن يؤدي تطوير الاقتصاد الأخضر وتغيير أنماط الاستهلاك غير المستدامة إلى نمو اقتصادي في القطاعات العامة والخاصة، إذ يشكل بناء الاقتصاد الأخضر طريقاً نحو تحقيق التنمية المستدامة التي تشمل التنمية الاجتماعية، والبيئية، والاقتصادية، إضافة إلى معالجة ظاهرة التغير المناخي.
والتحول إلى هذا النوع من الاقتصاد يعني المزيد من فرص العمل وزيادة في الأمن الغذائي والبيئي، فقد سلّط تقرير صادر عن المفوضية العالمية للاقتصاد والمناخ الضوء على أن تحوّل العالم إلى نهج مستدام للنمو منخفض الكربون يمكن أن يؤدي إلى ازدهار اقتصادي يبلغ 26 تريليون دولار حتى عام 2030، ويساعد على توفير أكثر من 65 مليون فرصة عمل جديدة.
مبادرات خضراء شبابية أنموذجاً
في حين يعاني الأردن فقراً في الموارد والمصادر الطبيعية، غير أنه يمتلك في المقابل طاقات شبابية مثقفة ومؤهلة للدخول في المستقبل المبني على الاقتصاد الأخضر، فلدى الأردن العديد من النماذج والمبادرات الشبابية الخضراء التي تسهم في حل معضلة الفقر والبطالة والأمن الغذائي، والتي يجب اتخاذها أنموذجاً لحث الشباب على إنتاج الأفكار الريادية والإبداعية في مجال هذا النوع من الاقتصاد.
ففي محافظة عجلون الواقعة إلى الشمال الغربي من العاصمة عمان، يوجد مشروع "سفراء الريف لتحويل جيوب الفقر لمجتمعات خضراء"، إذ نجح شباب طموح في تحفيز طاقات الشباب للعمل البيئي وخلق مجتمعات آمنة غذائياً، بالإضافة إلى تأمين فرص عمل في مجال الزراعة، حيث عمل هذا المشروع بتقنية "جروايسس" التي تعمل على منع الفاقد المائي في الزراعة التقليدية بالإضافة إلى إنتاج محصول أفضل وبكميات أكبر.
وفي مشروع ريادي آخر قائم على الاقتصاد الأخضر في العاصمة عمان، قامت مؤسسة "ذكرى للتعلم الشعبي" التي انطلقت عام 2007 بهدف إبراز ثراء المجتمعات المهمّشة من معارف حياتية وموارد بشرية كبيرة، بتنفيذ مبادرة قائمة على التعاون مع المزارعين والأهالي وذوي الخبرة، لزراعة القمح في بعض الأراضي الفارغة في العاصمة عمان ومشاركة المحصول فيما بينهم تشاركيّاً وتعاونيّاً مع توزيع زكاة المحصول على الأسر الفقيرة. وهدفت المبادرة بشكل رئيسي إلى توفير التحرر الغذائي للأسر المشاركة.
ولتأمين فرص العمل لمجتمع اللاجئين في الأردن وزيادة الأمن الغذائي لهم، قامت مجموعة من الشباب في ظل جمعية "سما غزة لتنمية المجتمع" على مبادرة "سطوح خضراء"، فتوجهت المبادرة لمساعدة مجتمع اللاجئين في المخيم الواقع في محافظة جرش في الشمال الغربي للأردن على تدريب اللاجئين في مجال زراعة الأسطح وتأمين الأشتال والبذور لهم، وبذلك وفرت فرص عمل لمجتمع اللاجئين حيث قاموا ببيع المحاصيل والاستفادة منها في تأمين الغذاء لهم، هذا بالإضافة إلى إنشاء مشروع قائم على فكرة إعادة التدوير باستخدام مخلفات الزراعة وتحويلها إلى سماد عضوي، وبذا كادت البصمة الكربونية أن تكون صفراً.
وفي الختام، يجب أن تكتسب قضايا البيئة والتحول إلى الاقتصاد الأخضر أولويات على أجندة الحكومة الأردنية، إضافة إلى تفعيل دور الوزارات والبرامج المخصصة لهذا الملف، ودعم إطلاق "أحزاب خضراء" لها دور فاعل في سن قوانين من شأنها حماية البيئة ودعم التحول إلى الاقتصاد الأخضر، بالإضافة إلى إشراك منظمات المجتمع المحلية لما لديها من الخبرات والقيادات في هذا المجال.
وعليه، فمن الواجب وجود جسم وطني للتنمية المستدامة، يعنى بضمان تطبيق منظور مؤسسي يجمع بين تكامل الأبعاد التنموية، ومتابعتها وتقييمها. فضلاً عن تشجيع الاستثمار في المشروعات الصديقة للبيئة، وزيادة المخصصات المالية الموجهة لبرامج الأبحاث والتطوير الداعمة للتنمية المستدامة.