ملكون ملكون يكتب: السويد.. يوتوبيا المهاجرين المنهارة في زمن الوباء؟!

السويد-ملكون ملكون

 بعد أن عشنا تفاصيل شيطانية لوباء فيروس كورونا في السويد، وبعد أن عشنا كذلك انتخابات ثقيلة كالرصاص كان المهاجرون فيها صراعاً تتقاذفه الأحزاب وشمّاعة للسياسيين، ورغم أن كوفيد-19 لا يميز بين البشر فيجتاح الجميع، إلا أن تصاعد الأرقام وإحصائيات الحالات المسجلة، والوفيات الناتجة عن الإصابة بالفيروس، جعل البعض يعيدون المهاجرين إلى بؤرة الحدث مع وضعهم في عين العاصفة من جديد.

بداية مقلقة

البداية كانت مع مقال لإيبا بوش، رئيسة الحزب الديمقراطي المسيحي، نُشر في صحيفة AFTON BLADET  اليومية الواسعة الانتشار، طالبت فيه بأن يكون التعامل مع الفيروس واضحاً وشفافاً  مؤكدة وجود ارتباط وثيق بين انتشار فيروس كورونا وبين الخلفية المهاجرة الأجنبية في المجتمع السويدي، إذ تقول في مقالها إن "انتشار الفيروس واضح بين فئات اجتماعية من خلفية مهاجرة في السويد... إنه منتشر بنسبة كبيرة بين المصابين من الجالية الصومالية والأصول ذات الخلفية السريانية المسيحية والشاماليين "عرق جنوب شرق آسيوي"، وقد يعود ذلك لأسباب لها علاقة بالثقافة المختلفة عن ثقافة السويديين".

وتؤكد  إيبا بوش أنه غالباً ما يكون للصوماليين علاقات عائلية متداخلة، وكبيرة العدد ومتزاحمة أكثر من السويديين، كما يتجمعون دائماً في كتل بشرية في مكان واحد، والأمية منتشرة بين الصوماليين على نطاق واسع، وهم يعيشون في بيئة لا تكون فيها السلطات موثوقة بالنسبة لهم بالضرورة، إضافة إلى أن الصوماليين لا يهتمون بالمعلومات الطبية الوقائية المكتوبة ، وهم -على حد قولها- يعيشون معزولين في مناطق خاصة بهم.

وأشارت أيضاً إلى إصابة 40  شخصاً من أعضاء كنيسة سريانية سورية تقع في إحدى ضواحي العاصمة ستوكهولم بسبب العادات الاجتماعية في التواصل الاجتماعي الذي يعتمد على خلفية من العادات والتقاليد الغريبة عن المجتمع السويدي.

إضافة إلى ما سبق، فقد انتقدت رئيسة الحزب الديمقراطي المسيحي سياسات الحكومة تجاه الهجرة، مضيفة بأن فشل سياسة الاندماج هو السبب في هذه النتائج إذ ينتشر وباء كورونا في المجتمعات المنعزلة عن الاندماج في المجتمع السويدي، معبّرة عن احتمال أن يصبح فيروس كورونا متعلقاً بالهجرة كما أصبحت قضايا الجريمة، والعنف والبطالة متعلقة بالهجرة والمهاجرين الأجانب!  

أحمد عبد الرحمن، رئيس اتحاد الجمعيات الصومالية في السويد، رد على مقال بوش قائلاً "إن فيروس كورونا لا يميّز بين البشر لكن الناس يفعلون ذلك. هناك من هم مثل إيبا بوش التي تحاول تقسيم الأمة السويدية على أساس عرقي، وفي حقيقة الأمر أن الاقتصاد السويدي الضخم وشركات السويد العالمية تنهار، وعشرات الآلاف من السويديين يفقدون عملهم، والبورصة تنهار لأسباب لا علاقة لها بالمصابين المهاجرين أو الأجانب في السويد".

وأضاف بأنه "عندما تقول إيبا بوش إن 15 شخصاً من أصل 100 توفوا بالفيروس هم سويديون من أصول صومالية وأجنبية، فإننا نسألها ما العرق الذي ينتمي له الـ 85 الآخرون من المصابين؟ أليس هو العرق الذي تنتمين له شخصياً؟ هذا جدال عنصري لن ندخل فيه... هذه عنصرية مقيتة".

 

 استطلاع

تصاعدت الأمور بعد ذلك، وأظهرت دراسة استطلاعية سويدية أن هناك اعتقاداً كبيراً لدى بعض السويديين مفاده بتأثير الهجرة وتدفق اللاجئين الكبير على المزايا، والمساعدات والرفاهية في السويد. وركز الاستطلاع على وجود سلبيات كانخفاض مستوى الخدمات الطبية وضعفها، وانخفاض مستوى جودة المدارس وإهمالها كذلك، وسوء في مستوى الخدمات وفرص العمل، وتدهور مستوى وسائل النقل، ونظافتها ومواعيدها.

العينة الإحصائية شملت 22,500 شخصٍ من السويد، وأشارت الدراسة إلى  وجود إجابات مبنية على أفكار مسبقة. على سبيل المثال، رأى المجيبون على الأسئلة أن المهاجرين هم أكثر فقراً واعتماداً على الرعاية الاجتماعية والمساعدات، وأقل تعليماً مما هم عليهم في واقع الأمر، وهذه أفكار سابقة مرتبطة بالمهاجرين وخلفياتهم.

هذه الأفكار التي أبداها المُستَطلعَة آراؤهم غير دقيقة عن اللاجئين، فالاقتصاد السويدي أقوى من أن يتأثر مالياً جرّاء تدفقهم. وبالتأكيد، فما هذه النظرة إلا أداة قوية بيد الأحزاب المعارضة والمعادية للهجرة لتبرير التغييرات السلبية التي قد تحصل في مستويات الرعاية والرفاه الاجتماعي. لكن وفي حقيقة الأمر، تعود التعثرات أو ضعف الخدمات لأسباب أخرى منها ضعف الأجهزة في تنظيم العمل في المؤسسات الحكومية، وضعف الاستعدادات ونقص الإمدادات كما حدث خلال أزمة فيروس كورونا، إذ يكون الدافع دائماً هو الرغبة في تقليل الميزانيات وعدم تشغيل المزيد من الموظفين الحكوميين.

وفي هذا الإطار، يؤكد الباحثون أن السياسيين المؤيدين لحقوق الهجرة قد باتوا أيضاً يستخدمون في برامجهم الانتخابية "بطاقة الهجرة" لتوليد ردود فعل ضد سياسات الخصوم فيما يتعلق بالرعاية الاجتماعية وإعادة توزيع الثروات في المجتمع السويدي.  

تشدّد في سياسة اللجوء

ومع أزمة فيروس كورونا، أُعيد فتح ملف النقاش حول أزمة اللاجئين والتشدد في السياسات المتبعة حيالهم بعد أن كاد الملف أن يُقفل بعد عاصفة الانتخابات في 2018، فطالبت رئيسة الحزب الديمقراطي المسيحي بتشديد إجراءات الهجرة واللجوء إلى السويد للتخلص من النفقات والضغوطات الاجتماعية والسياسية –على حد قولها، مؤكدة على رغبة حزبها وأحزاب التحالف المعارض بخفض نسبة الهجرة للسويد بمقدار 70% عما هي عليه الآن، ما يعني أن يتراوح عدد اللاجئين ما بين 10 آلاف لاجئ إلى 13 ألف سنوياً.

وتبرّر رئيسة الحزب الديمقراطي المسيحي ذلك بقولها إن "السويد تستقبل نسبة تصل إلى ثلاثة أضعاف ما تستقبله الدول الأوروبية مقارنة بعدد السكان، وقد خلق هذا التدفق الكبير للاجئين بين عامي 2014 و2018 واقعاً اقتصادياً، واجتماعياً وسياسياً معقّداً في السويد، في الوقت الذي لم تكن مهيئة فيه لاستقبال هذه الأعداد الهائلة منهم... لدينا فاتورة نفقات هائلة لم تُدفع، وانتشارٌ للجريمة والتفجيرات، وإطلاق النار في الضواحي المنعزلة. وتتصاعد المشكلة أكثر فأكثر".