نايف منجد يكتب: مبادرات شبابية خضراء لمجتمعات آمنة غذائياً

"ليش أحتاج إشي من السوق، وأنا قادر أزرعه بإيدي؟!". هكذا استهل الشاب أحمد الربابعة سرد قصة مشروعه "سفراء الريف لتحويل جيوب الفقر لمجتمعات خضراء" في محافظة عجلون الواقعة في شمال غرب الأردن، والذي يهدف إلى استثمار الطاقات الشبابية والنسائية في العمل التنموي البيئي الزراعي.

 

البداية.. تطوّع ومشاريع مختلفة

يتحدث الربابعة لصوت النهضة عن بدايات المشروع، والتي جاءت نتيجة الأوضاع الحالية التي يعانيها الشباب من حيث قلة فرص العمل المتوفرة في محافظة عجلون، قائلاً "بعد انتهاء دراستي الجامعية، توجهت للعمل التطوعي لحين إيجاد فرصة عمل، فكنت أشارك بأي فرصة للالتحاق بالبرامج والمشاريع التي تشرف عليها مؤسسات المجتمع المدني في عجلون". وبحسب الربابعة، فقد توزعت مشاركته على أكثر من مشروع، تراوحت بين تلك السياحية، والاقتصادية، وتمكين النساء، والمشاريع المائية، بالإضافة إلى مشاريع في قطاع الزارعة.

 

فكرة المبادرة وتقنية جديدة

خلال مشاركته في بعض المشاريع المائية والزراعية، لاحظ الربابعة أن توفر المياه الصالحة للزراعة كان هو الهاجس الأكبر خصوصًا في بلد كالأردن يُصنف واحدًا من أفقر بلدان العالم مائيًا. فبرأيه "تواجه الزراعة في الأردن مشاكل عدة من أبرزها توفر المياه للزراعة وارتفاع أسعارها، إضافة للتكلفة المادية للبذور والأشتال للزراعة، ناهيك عن الزراعة التقليدية التي يعتمدها جل المزارعين والتي تستنزف المياه". ويضيف "من هنا جاءتني فكرة ضرورة البحث عن الطرق الحديثة في الزراعة، فوجدت ضالتي في تقنية هولندية تسمى "جروايسس" والتي لاقت نجاحاً بعد تجربتها في الأردن، وبعض المناطق الصحراوية في الخليج العربي".

 

ما هي تقنية "جروايسس"؟

تعتبر هذه التقنية مناسبة جداً لاستخدامها في الزراعة في الأردن، كون الفاقد المائي من هذه التقنية يكاد أن يكون صفراً، فلا تحتاج إلى هدر كميات كبيرة من الماء، فهي عبارة عن صندوق دائري الشكل يحيط بالنبتة، ويتم ملؤه بحوالي 12 لترًا من الماء يكفي النبتة لمدة تصل إلى 6 أشهر. في أسفل الصندوق، يتدلى حبل طرفه في الماء، والطرف الآخر يدفن مع جذر النبتة، ما يعني وصول الماء مباشرة إلى الجذر ليوفّر لها ما تحتاجه من السقاية فقط. وبما أن الصندوق مغلق، فلا يوجد فاقد مائي عن طريق التبخر، وبهذا الطريقة نكون قد وفرنا إلى ما يزيد عن 80% من المياه المهدورة. هكذا، يشرح الربابعة آلية عمل هذه التقنية.

شرارة التغيير

وانطلاقًا من هذه المعرفة، بدأ الربابعة بتطوير شرارة فكرته والسعي لتنفيذها على أرض الواقع. إذ وبعد التعرف على هذه التقنية والبحث عن طرق التدرب عليها، وجد الشاب أن مركز صناع التغيير في عجلون يتبنى مشروعاً زراعياً في المنطقة. ومن هنا يقول الربابعة:

"تواصلت مع المركز، وشرحت للمسؤولين فكرة هذه التقنية وفوائدها، فقاموا مشكورين بالتواصل مع الشخص الهولندي الذي أحضرها إلى الأردن، وهو الذي يتولى تدريب المهتمين على استخدامها". يضيف الربابعة " رحب الشخص واسمه "مايكل شورينج" بالفكرة، وأبدى سعادته واستعداده للتدريب في المنطقة، فتواصلت مع صديقاتي وأصدقائي، وبدأنا بالتدرب على تقنية "جروايسس" بكل حماس".

 

عقبات وتحديات

"عند اكتمال التدريب، بدأت مجموعتي المكونة من فتاتين وشابين التفكير بعمل مبادرة تقوم على توفير الأمن الغذائي، وفرص العمل والتدريب لشباب المنطقة، فتولدت لدينا فكرة مبادرة "سفراء الريف لتحويل جيوب الفقر لمجتمعات خضراء"، فكانت الفكرة تقوم على استخدام تقنية "جروايسس" لزراعة بعض المحاصيل الزراعية لتوفير الأمن الغذائي للعائلات الفقيرة، ومساعدة هذه العائلات بتوفير فرص عمل لأبنائها، وأول عقبة اصطدمنا بها هي توفير قطعة أرض، وأثمان المعدات الزراعية الباهظة".

وبحثًا عن حل لهذه التحديات، توجهت المجموعة إلى الديوان الملكي لعرض الفكرة التي قوبلت بالترحيب، ومن ثم حُوّلت المجموعة إلى وزارة الزراعة ليُطلب إلينا اختيار قطعة الأرض المناسبة، وعندما تم ذلك، ظهرت معضلة كون غالبية الأراضي التابعة للدولة في محافظة عجلون هي من الأراضيِ الحُرجية، إذ تمنع قوانين وزارة الزراعة اقتلاع أي شجرة منها بغض النظر عن السبب. "ومن هنا بدأ الإحباط يتسلل إلى بعضنا". يضيف الربابعة.

 

نقطة التحول

"صارت هاي المبادرة حلم بالنسبة إلي وما رح استسلم"، كما يروي الربابعة عن نقطة التحول في مسار المبادرة، إذ لم يستسلم لليأس الذي تسلل إلى نفوس المجموعة بعد العقبات التي اصطدموا بها، فبدأ مسيرته باحثًا عن متبرعين بقطعة أرض، لوضع أول لبنة من لبنات حلمهم عليها.

يشرح الربابعة: "حاولت جاهداً وبشتى الطرق البحث عن متبرعين، من المعارف والأصدقاء وحتى المؤسسات التي تعنى بالبيئة، فقمت بالتواصل مع السيدة ناديا الربضي المدير العام لمركز وسطاء التغيير للتنمية المستدامة، التي لم تدخّر جهداً في مساعدتنا، فقدمت لنا قطعة أرض تملكها لتكون الأرضية الصلبة التي نقف عليها ونبني حلمنا".

ويتابع "أشارت علينا السيدة ناديا بضرورة التقدم لمشروع "مبادرون"، فقدمنا فكرتنا للجهات المعنية بالمشروع، وكلنا آمال بتحقيق هذا الحلم، وتأهلنا على ثلاث مراحل، فظفرت فكرتنا بالدعم المادي الذي يقدمه المشروع وحصلنا على مبلغ 14 ألف يورو. من هناكانت الانطلاقة ونقطة التحول في مبادرتنا".

 

الانطلاقة.. من مبادرة إلى مشروع قائم

يشرح الربابعة انطلاقة المبادرة وتحولها إلى مشروع حقيقي على أرض الواقع بقوله: "بعد الحصول على الدعم المادي من مشروع "مبادرون، وقطعة الأرض من السيدة ناديا الربضي، تحولت المبادرة إلى مشروع، حيث أسسنا شركة سفراء الريف للتدريب والتنمية المستدامة، وكان في صدارة أهدافنا مساعدة أهالي محافظة عجلون ممن يعيشون في جيوب الفقر في الوصول إلى فرص العمل، بالإضافة إلى تحقيق الأمن الغذائي لهم".

ومن ثم، قامت المبادرة باختيار 16 شابة وشاب، وتدريبهم على تقنية "جروايسس"، مع توفير قطعة الأرض لهم لزراعتها والاستفادة من محصولها بالشراكة مع سفراء الريف في عجلون.

تطلعات واعدة

تقول الشابة وعد الصمادي أحد مؤسسي المشروع معلّقة: "لقد نجح المشروع، وبدأنا بالحصول على مردود مادي من بيع المحصول، وحققنا الأمن الغذائي لبعض الأسر. كما قمنا بتأمين فرص عمل لبعض الشابات والشباب في مجال الزراعة، وها نحن الآن نقدم خدمات التدريب والتأهيل للشباب في المنطقة، إضافة إلى توفير فرص عمل لهم بعد هذه التدريبات".

وتتابع الصمادي حديثها عن آمال مستقبلية للمشروع "نعمل الآن على تأمين المزيد من الدعم لشراء "بيوت بلاستيك" لتوفير المزيد من فرص العمل للشابات والشباب في مجال الزراعة، والوصول إلى أمن غذائي شامل يغطي جميع احتياجات الأسرة من المواد الغذائية".