أفنان أبو يحيى تكتب: المرأة أكاديميًا: مؤهلات عالية ومشاركة قليلة

لطالما فضلت المرأة الأردنية قطاع التعليم كهدف وظيفي بعد التخرج، 41.5٪ من المشاركة الاقتصادية للمرأة، والتي بلغت 8٪، هي فقط في التعليم (1). يتمحور التدريس حول فكرة تنشئة الأجيال، وكذلك أدوار المرأة الإجتماعية، أو على الأقل هذا ما اعتدنا معرفته في ثقافتنا، ورغم أن المرأة تمكنت من إثبات حضورها كشخص مؤهل علميًا حاصل على الشهادات الجامعية وكمعلمة تقوم بدورها في المدرسة بحسب الإحصائيات الرسمية إلا أن الحال كان مختلفًا فيما يتعلق بحجم مشاركة المرأة في أعضاء هيئات التدريس في الجامعات الأردنية.

المرأة كمعلمة مدرسة

تقول حنين الزعبي، وهي معلمة لغة إنجليزية بخبرة 19 عامًا في المدارس الحكومية، إنها درّست اللغة الإنجليزية لصفوف مختلفة، باذلةً قصارى جهدها لتقديم تعليم ذو جودة عالية بغض النظر عن التحديات، "يجب أن ينال المعلمون في الأردن مكانة إجتماعية أفضل ومقابلًا ماديًا أفضل، كما هو الحال في جميع المجتمعات المتقدمة، ومع ذلك، لا يمكننا إعتبار المشكلة مشكلتنا وحدنا، فالجميع يعاني وعلى الأقل نحن [المعلمين] نتمتع بامتيازات كثيرة".

بغض النظر عن الاختلافات بين المدارس العامة والخاصة ومدارس الأونروا، فإن "الامتيازات" الممنوحة للمرأة في مجال التعليم كما وصفتها معلمة اللغة العربية سلمى عبد الله تتلخص في أن المرأة تتوجه لخيار التعليم لأن ظروف مثل هذه الوظيفة تتوافق مع تقاليد المجتمع الأردنية خاصة إذا أرادت المرأة الزواج وتكوين أسرة.

علاوة على ذلك، نالت النساء من مختلف التخصصات، بما في ذلك الكيمياء واللغة العربية والفيزياء والموسيقى واللغات الأجنبية والتاريخ، فرص التوظيف كمعلمات، وذلك في ظل زيادة أعداد الإناث الملتحقات ببرامج البكالوريوس بالجامعات لتصل إلى 52.7٪ ، بحسب التقرير الإحصائي السنوي 2018 المنشور من قبل وزارة التعليم العالي والبحث العلمي (2).

المرأة كمحاضرة جامعية

على أية حال، لا يقتصر التعليم على مهنة التدريس في المدارس، فالمحاضرون في الجامعات أيضًا يمارسون المهنة ذاتها لكن بطريقة أكثر تخصصًا وربما أكثر حرية في اختيار المواد [المناهج] وتقديمها مع مراعاة الفئة العمرية للطلاب والمهارات المطلوبة في سوق العمل، تقول الزعبي.على الرغم من أن النساء أثبتن جدارتهن في قطاع التعليم المدرسي، إلا أن نسبة مشاركة المرأة في التدريس الأكاديمي في الجامعات تبلغ 27٪ في مجالات الدراسة المختلفة (3). تشير هذه النسبة المئوية إلى تمثيل غير كافي للمرأة نظرًا لكونه أقرب للتمثيل الرمزي في حين يجب أن تكون مشاركتها على قدم المساواة مع الرجل في فرص العمل.

هذا لا يعني عدم وجود فروقات بين التدريس المدرسي والجامعي، إذ أن الالتحاق بكوادر التدريس في الجامعات يتطلب شخصًا يحمل مؤهلات عالية ونجح في اجتياز مسار طويل من دراسة البكالوريوس والماجستير والدكتوراه. هل هذا هو السبب؟ لا، إن عدد الإناث اللواتي أكملن تعليمهن العالي وحصلن على الشهادات العليا يتساوى مع عدد الذكور في الأردن، وفقًا لتقرير دائرة الإحصاءات العامة حول السكان الأردنيين حسب المستوى التعليمي والجنس (4).

تظهر فجوة التوظيف ليس فقط في التخصصات العلمية التي يميل الذكور في الغالب دراستها، ولكن أيضًا في التدريس في المجال الإنساني. تشير الإحصائيات إلى أن عدد الإناث العاملات كمحاضرات جامعيات لم يكن أعلى من عدد الذكور في أي مجال (5)، رغم أن النساء اللواتي تمكن من العمل كمحاضرات جامعيات ساهمن بحضور نوعي من ناحية نشر البحوث وكسب ثقة الطلاب والتدريس بأساليب حديثة، "كونها تكافح للوصول إلى هذا المكان، فهي تبذل قصارى جهدها للحفاظ عليه ولتلبية التوقعات"، كما قالت غادة كساب، دكتورة في كلية الهندسة في الجامعة الأردنية.

هل سياسات التوظيف هي المشكلة؟

تقول منال مزاهرة، رئيسة قسم الصحافة في جامعة البترا، "قد تكون سياسات التوظيف هي السبب"، مضيفةً أن الوضع في الجامعات الخاصة أفضل منه في الجامعات الحكومية. "في جامعة البترا، حيثُ أعمل، لدينا مشاركة نسائية كبيرة والعديد من النساء يشغلن مناصب إدارية عليا، على سبيل المثال تترأس مجموعة من النساء الكفؤات قسم العلوم التربوية، واللغة الإنجليزية، واللغة العربية، والصحافة، والعلوم الإدارية، والفنون والتصميم، والتغذية، والترجمة".

وتجادل مزاهرة بأنه لا توجد مشكلة في توظيف الإناث -أو الذكور-  طالما كانوا يتمتعون بالكفاءة الكافية، مشيرة إلى أن الجامعات الخاصة تتمتع بحرية أكبر من الجامعات العامة المقيدة ببعض السياسات والمفاهيم الثقافية السلبية مثل العنصرية بين الجنسين و"الواسطة" والمحسوبية. "القطاع الخاص في النهاية معني بجني الأرباح، لذا فهم يبحثون عن الكفاءة بغض النظر عن جنس المحاضر، وهذا لا ينفي بعض الحالات الفردية التي تحدث من وقت لآخر".

المجتمع مجددًا

من ناحية أخرى، تقول كساب إن المرحلة العمرية التقديرية لإكمال الدراسات العليا تقع في فترة تتزامن مع التوقيت المعتاد لتكوين الأسرة التي تعتبر مسؤولية كبيرة أيضًا.. حتى في حالة الرغبة بإكمال الدراسة، ربما لا تتوافر خيارات واسعة من برامج الماجستير والدكتوراه المرغوب فيها ما يعني إما التخلي عن الفكرة أو السفر إلى الخارج لدراسة التخصص المفضل. في كلتا الحالتين، هناك مشكلة، فالابتعاد عن مسار الدراسات العليا يعني مشاركة قليلة أو محدودة - لكل من النساء والرجال - والسفر رغم أنه تجربة رائعة لكنه يمثل قضية حاسمة بالنسبة للنساء اللائي يلتزمن، تحت الضغط أو برغبتهن، بالرضوخ إلى الأدوار الاجتماعية المتمثلة في الزواج وتربية الأبناء والبقاء في المنزل والحفاظ على السمعة.

"المجتمع أيضًا لم يقوي شخصية المرأة"، تقول مزاهرة أن المؤهلات مهمة ولكنها ليست كل شيء، فبعض النساء يتمتعن بالكفاءة من الناحية النظرية والأكاديمية، أعني أنهن يحملن الشهادات المطلوبة، لكنهن يفتقرن إلى الشخصية القوية ومهارات الاتصال اللازمة للمهنة، مما يجعل الأمر أكثر صعوبة. كما تؤكد كساب أن وجود المرأة في مناصب قيادية مثل عمادة كلية في الجامعة وامتلاك مسؤولية الإشراف على الآخرين يعني مواجهة عقلية ذكورية بشكل أكبر خصوصًا فيما يتعلق بالمشاركة في اتخاذ القرار وفي تقديم التوجيهات.

لا فجوة في الأجور والاولوية للكفاءة

وتؤكد كل من مزاهرة وكساب على عدم وجود فجوة بين أجور النساء والرجال في الجامعات عندما يحتلون نفس الرتبة المهنية ويحملون نفس المؤهلات. كما تتفق كلتيهما على أن الحل الذي ينبغي تنفيذه لزيادة مشاركة المرأة في أعضاء هيئة التدريس بالجامعات هي اختيار الأكفأ والابتعاد عن تبني "سياسة الكوتا": تخصيص عدد معين من الفرص التي تشغلها النساء. الكفاءة هي الحل العادل لكلا الجنسين، بدون التقليل من قدرات المرء وبدون قمع شخص ما على حساب مساعدة الآخر. تقول كساب: "يجب على النساء في سعيهن للمساواة أن لا يمارسن معايير مزدوجة لخدمة مصالحهن، وهذا يبرز الحاجة الملحة للبدء حلول تدريجية جذرية وتدريجية في البيئة المجتمعية بأكملها لإصلاح المشكلة والبدء بملاحظة التغيير الإيجابي".

تقول مزاهرة، بصفتها رئيسة قسم الصحافة، "أن المجتمع الأردني بدأ يألف إنجازات المرأة ويعتز بها، ربما لا يزال من الصعب على المرأة أن تصبح محاضرة في إحدى الجامعات، ولكن متى حدث ذلك، ستكون قادرة على المشاركة في عملية صنع القرار إذا حافظت على علاقات جيدة مع الآخرين وتقدمت باقتراحات منطقية". في الحقيقة، التحديات موجودة في طريق النساء والرجال إلى النجاح، وفي الجامعات كما هو الحال في أماكن أخرى، ولكن إعادة التفكير بالأدوار الاجتماعية حيث تكون المرأة إنسانًا قبل أي شيء آخر ويستحق أن يعامل بشكل عادل مستذكرين تاريخها عندما قادت ثورة وبدأت مشروعًا تجاريًا ناجحًا ونالت براءة اختراع سيساهم في التغلب على العقبات أمام النساء، ليس فقط من أجل عدالة المرأة، ولكن أيضًا من أجل عدالة المجتمع بأسره.

_____________________________________________________________________________

 

 (1) Research, M. o. (2018). Annual Statistical Report 2018. Retrieved March 1, 2020, from mohe.gov.jo: 
(2) Statistics, D. o. (2018). pp. 29 & 30. Jordanian Employed Persons 15+ by Economic Activity and Sex. Retrieved March 1, 2020, from DOSGOV: http://www.dos.gov.jo/owa-user/owa/emp_unemp_number.show_tables_y?lang=A

(3) Statistics, D. o. (2018). pp. 16-18. Jordanian Employed Persons 15+ by Economic Activity and Sex. Retrieved March 1, 2020, from DOSGOV: http://www.dos.gov.jo/owa

(4)(5) Statistics, D. o. (2018). Jordanian Population Population 15+ by Educational Level, Sex and Broad Age Groups . Retrieved February 15, 2020, from dos.gov.jo: http://www.dos.gov.jo/owa-user/owa/emp_unemp_number.show_tables_y?lang=A&year1=2018&t_no=15