
عمر العقلة يكتب: السوريون طيور مهاجرة بلا أجنحة
في كل موسم من السنة تبحث الطيور عن ملجأ لها تستطيع من خلاله تأمين قوت يومها وإيجاد مكان أكثر أمنًا واستقرارًا يحفظ لها بقاءها، وهذا هو حال السوريين منذ بدء الأزمة السورية، لكنهم على عكس هذه الطيور يهاجرون في كل مواسم السنة وفي أصعب الظروف وبلا أجنحة تعينهم على رحلة اللجوء في عرض البحر الأبيض المتوسط.
مع بداية أحداث العنف في سوريا، لجأ الكثير منهم إلى البلاد المجاورة مثل الأردن ولبنان و تركيا. ولكن مع ضعف الإمكانيات الاقتصادية وقلة فرص العمل في هذه البلاد، فقد قرروا الانتقال إلى القارة الأوروبية من خلال اتخاذهم البحر طريق نجاة ليكون معبر الوصول لهذه القارة بحيث تتوفر لهم مطالبهم على الأمد البعيد. ومع ازدياد أعدد المهاجرين السوريين عبر البحر الأبيض المتوسط، فقد احتلوا عناوين وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي بسبب خطورة هذه الرحلة وحالات الغرق التي يتعرض لها اللاجئون السوريون في بطن البحر. فبحسب تقديرات مركز تحليل بيانات المهاجرين العالمي، تبيّن أن (497) غريقًا من السوريين الذي تم التعرف عليهم لقوا حتفهم خلال السنوات الخمس السابقة لعام 2018، وكان من بين الغرقى (67) طفلًا. وقد أشارت مديرة المركز إلى أن الأرقام المذكورة سابقًا أقل بكثير من الأعداد الحقيقية وذلك بسبب صعوبة معرفة هوية الغريق عند انتشاله من البحر. وبحسب تقرير المنظمة الدولية للهجرة لعام 2018، فإن أعداد المهاجرين السوريين قد تراجعت مقارنة مع الأعوام السابقة حيث سُجل في عام 2015 و2016 ما يقارب 200 ألف مهاجر سوري عبر البحر، لكن على الرغم من ذلك بقيت الأعداد السورية هي المتصدرة في قائمة المهاجرين في عام 2018 و2019، والجدير بالذكر أنه خلال سنة 2020 ومع انتشار فيروس كورونا فقد تناقصت أعداد المهاجرين عبر البحر بسبب الحظر الكلي الذي فرض في معظم أنحاء العالم. لكن في واقع الأمر، ما زال الطريق البحري من أكثر الوجهات التي يتخذها المهاجرون ليحظوا بأمن واستقرار افتقدوه في بلد أنهكتها الحرب منذ فترة طويلة وحتى اللحظة.
وفي سياق الحديث باختصار عن صعوبات هذه الرحلة، فهي تبدأ من القدرة على اجتياز الحدود التركية التي تكون محصنة بقوات الجيش التركي، ومن ثم ركوب القوارب المتهالكة أو توابيت الموت المطاطية (البلم) التي يتخذها السوريين وسيلة نقل حتى يصلوا إلى مرادهم. وما يزيد الأمر سوءًا هو جشع المهربين وتجّار البشر الذين يُحمّلون هذه القوارب فوق استطاعتها فتزداد الخطورة على الركاب ومن المحتمل جدًا أن يغرق بهم ويودي بحياة الجميع. وفي حال كتب لهذا القارب النجاة بمن عليه ووصل المهاجرون إلى الجزر اليونانية التي تعتبر بداية الطريق البري لأوروبا، تبدأ مشاكل الطرق البرية التي لا تخلو من الاعتداءات المتعددة سواء من قبل العصابات الإجرامية التي تقوم بالاستيلاء على ممتلكات هؤلاء المهاجرين الذين لا يد لهم ولا حيلة إلا الخضوع لأوامر هذه العصابات وإلا سيكونون عرضة للموت. والأمر الآخر هو خطف بعض أطفال المهاجرين كرهائن بهدف المطالبة بفدية لقاء إخلاء سبيلهم، حيث إن وجود الأطفال في هذه الرحلة يأتي بسبب ظن أهاليهم أن هذا يسهل إجراءات لم شمل الأسرة فيما بعد. وهذا الشيء لا يمكن السكوت عنه، إذ ما ذنب هذا الطفل بأن يعاني من كل هذه الأحداث المرعبة وهو في هذا السن؟ ومن المحزن أننا لا نستطيع منع هؤلاء الأشخاص من أن يسلكوا هذه الطرق المحفوفة بالمخاطر، وذلك بسبب عدم وجود البدائل القانونية المناسبة للمهاجر وعائلته.
وبما أن حماية أرواح اللاجئين قيمة إنسانية أساسية في تاريخ ازدهار الحضارات، فلا بد من تكاتف الجهود الدولية لأخذ اتفاقية 1951 الخاصة بحماية اللاجئين بعين الاعتبار حيث تعتبر حجر الأساس في حماية حقوق اللاجئين وخاصة بعد أن وسعت نطاقها في البروتوكول اللاحق لعام 1967. فمن هنا يجب أن يسارع المجتمع الدولي في إيجاد حلول مدروسة خاصة بقضية المهاجرين عبر البحر بغية العمل على إنهاء خطورة هذه الرحلة التي اعتاد السوريون عليها منذ اندلاع الأزمة في سوريا، وإلا ستبقى أعداد الموتى تتزايد على أبواب أوروبا مع العمل على مشروع التسوية السياسية بهدف حل النزاع في سوريا لأن ارتفاع أعداد اللاجئين بدرجة كبيرة في الآونة الأخيرة بات واضحًا كما أن النداء لأعمال الإغاثة الإنسانية لم يعد يفي بالغرض المنوط به لحل أزمة اللاجئين. ومن جهة أخرى، زيادة القدرة الاستيعابية لملفات إعادة التوطين من المفوضية السامية لحقوق اللاجئين وهذا ما نصت عليه صراحةً اتفاقية 1951 حين أشارت إلى ضرورة توافر تعاون دولي بما في ذلك اقتسام الأعباء بين الدول. كما أرى أن تسهيل إجراءات الحصول على التأشيرات الدراسية للطلاب السوريين الذين يهدفون للسفر بهدف إكمال دراستهم في الخارج سيخفف من تصاعد وتيرة هجرة الشباب السوري في البحر.
وأخيرًا وليس آخرًا وعلى الصعيد العربي، هناك بدائل تسعف هذه الأرواح من الهلاك على سبيل المثال لا الحصر، فما المانع من أن تفتح دول الخليج أبوابها أمام اللاجئين كما هو الحال في دول أوروبا؟ ربما يكون العذر هو الخوف من الخلايا الإرهابية فهنا نتساءل هل لا تخشى أوروبا هذه الخلايا أيضًا على الرغم من أن أنها تستقبل أعدادًا هائلة من المهاجرين من كافة أنحاء العالم؟ في الحقيقة في حال اتخذ مجلس التعاون الخليجي مثل هذا القرار فبالتأكيد سنرى نتائج مبهرة من حيث تقلص أعداد المهاجرين عبر البحر. ومن جهة أخرى، فإن هذا القرار سيخفف من عبء مصاريف اللاجئين على حكومات بلاد الجوار التي تعاني من ضعف اقتصادي وبنية تحتية لا تؤهلها لتحمل هذه الأعداد الكبيرة. فقد وصلت أعداد اللاجئين في بلاد الجوار قرابة 6.5 مليون سوري، لكننا لا نعلم ما السبب وراء عدم اتخاذ مثل هذه القرارات حتى الآن وفي مثل هذه اللحظات العصيبة التي تمر على الشعب السوري بأكمله.
أنا اليوم أكتب هذا المقال لكنني ما زلت مقيمًا في دول الجوار والكثير من أمثالي. لكن لا أحد يضمن بأن يكون السنة القادمة من بين المهاجرين عبر البحر أو الغرقى. هل يُعقل أن نُبقي مستقبلنا وأحلامنا بيد مُهرّب؟ نحن لا نعلم ذلك فجميعنا رهن تطور الأحداث الدولية المتعلقة بالشأن السوري.