حنين الشوابكة تكتب: مخيمات تواجه "الكورونا" ببنية تحتية رديئة

أمست مخيمات اللاجئين الفلسطينيين بيئة خصبة لتكاثر فايروس كورونا وانتشاره في ظل غياب البنية التحتية، وتردي الوضع الاقتصادي، وتهالك الخدمات الصحية، وارتفاع تكاليف الدواء، وإجراء فحص كورونا الذي ارهق كاهل سكان المخيم.

يقول ابو علي وهو مواطن من  "مخيم مادبا " الذي  تأسس عام  1956 ويبلغ عدد سكانه بحسب  قيود وكالة الغوث لسنة 2017 ما يقارب (8573)  بعدد 1000 عائلة، وبوحدات سكنية تصل قرابة  514  بمساحة 90 مترًا مربعًا للوحدة.

ولأبي علي من العمر ما يحكي قصص اللجوء وتعاقب الأزمان، وترتسم على وجهه تجاعيد مقترنة بحكايات ذلك المخيم بتفاصيل أيامه، وساعاته، وبرودة حيطانه، وتلاصق بيوته، وضيق ممراته، وازدحام سكانه.

ويسرد لنا واقع هذه الأزمة عليه وعلى أسرته المكونة من 7 أفراد والاثر الذي تركته في عظامهم قبل صدورهم، مؤكدًا أنّ حياتهم انقلبت رأسًا على عقب بعد لحظات إعلان الحظر وانقطاعه عن العمل بحكم عمله في المياومة الذي يتقاضى عليه أجر 15 دينارًا تسد رمق الجوع لدى عائلته الصغيرة، تلك العائلة التي تأكل قوت يومها أولًا بأول منتظرين قدوم أبيهم من خلف شبابيك منزلهم حاملًا معه خبزًا، وقليلًا من الخضرة، والكثير من التعب.

يروي لنا هذه التفاصيل بدموع ممزوجة بتعب وقهر، وكيف تسللت هذه الجائحة إلى منزله الصغير البارد وجسده النحيل مخترقة بذلك كل حدود المقاومة الضعيفة لتجعل ذلك يومًا لا ينسى.

في صباح الإثنين، استيقظت باحثًا عن رزقي وحالمًا بغد أفضل لي ولعائلتي صاحبًا في ذاكرتي طلبات أبنائي وزوجتي بصوت يقول "بابا اليوم ما تنسى تمرق على المكتبة تجيب معك دفتر الرسم  اللي وعدتني فيه". وبصوت بعيد تنادي أم علي: "أبو علي جيب معك خبز وعدس بدي أطبخ الولاد ما أكلوا صارلهم يومين. وإذا تيسرت معك جيب معك تفاح مشتهيه آكل فواكه من زمان". "اطلعت عليها بنظرة وكليها لربنا إذا تيسر الحال بجيبلكم كل شيء بدكم إياه بس إنتي ادعيلي"، يقول أبو علي.

ومشى أبو علي وهو يحكي مع نفسه: "أنا ألاقيها من وين ولا من وين الله يفرجها على الجميع". وسار والكل أغلق أبوابه في وجهه والكل يقول: "هاي أزمة ع الكل ما في شغل، مش شايف الوضع الاقتصادي بالبلد؟ الحال واقف. صرنا نروّح العمال اللي عنا. خسرنا خسائر كبيرة". وظلت هذه الكلمات تطرق مسامع أبو علي ورجع إلى بيته شاحب اللون مكسورًا يتذكر كلام ولاده وزوجته وانتظارهم له. وبين صوت صفارات الإنذار التي جمدت كل حواسه وذكرته بالخطر المصاحب لهذه الأزمة عليه وعلى أسرته، وأن أدنى مستويات الحماية والسلامة لهذا الفايروس غير متوفرة مشيرًا إلى الارتفاع في أسعار الكمامات، والمعقمات، وتكلفة فحص كورونا، والارتفاع الهائل لأعداد المصابين بالفايروس.

يراقب أبو علي شاشات التلفزيون، وأعداد الإصابات، وإجراءات السلامة الحكومية، ويقول مع عائلته: "الله يحمينا ويحمي هالوطن لأنه إحنا مش قد المرض ولا قد علاجه".

وفي أحد الأيام، أصبح أبو علي متعب الجسد فاقد حاستي الشم والتذوق، واجدًا نفسه في دائرة من الخوف والقلق والهلع متألمًا على أسرته، حاملًا على ظهره الكثير من الهموم، متثاقل الخطى، يمشي وكأنه طفل صغير يحاول المشي على قدميه بأولى خطواته متوجهًا إلى المركز الصحي ليخضع لفحص كورونا، خائفًا على أسرته تملؤه المشاعر السلبية، ويعود أدراجه خطوة إلى الأمام وأخرى إلى الخلف مستذكرًا قيمة الفحص الطبي المرتفعة إذ لا يوجد في جيبه سوى القليل من المال.

تخبره الطبيبة بعد فتره انتظار في المركز الصحي ان نتيجة فحصه إيجابية وأنه مصاب بكورونا، وعليه عزل ذاته عن أسرته، وتلقيه للفيتامينات اللازمة لمواجهة ذلك الفايروس الذي أصبح حديث هذه الساعة.

أخذ أبو علي يمشي محدثا مع نفسه: "طيب كيف أعزل حالي وعيلتي بنفس البيت، ومساحة البيت صغيرة. طيب أجار البيت مين بدو يشتغل ويدفعه؟ طيب الأولاد مين بدو يطعميهم؟ يا رب هونها.

لكن بعد هذه المدة من العزل، تراكمت عليه التزامات مادية من ضمنها العلاج، والسكن، والطعام، والتعليم عن بعد الذي "كسر ظهورنا"، واشتراك النت الذي أصبح إجباريًا للطلاب والتزامهم بالدوام.

مبينًا أن البيئة التحتية للمخيمات أصبحت وكرًا لهذا الفايروس بسبب سوء شبكة الصرف الصحي، وقلة المراكز الصحية التي تستوعب العدد الكبير من سكان المخيمات، مع قلة إجراءات السلامة العامة، واكتظاظ المخيمات، وارتفاع نسبة الفقر والبطالة، ووجود عدد لا يقل عن 7 أفراد في البيت الواحد، وصغر مساحة البيوت، وسهولة انتقال العدوى بين أفراد الأسرة الواحدة.

يطالب أبو علي الحكومة ووكالة الغوث ويناشدهما أن تكون أنظارهما على المخيمات ومن يعيشون بها، مع توفير اللقاح لهم، وتحسين خدمات المخيم الذي أصبح بؤرة للوباء. حماكم الله وأسركم من هذا المرض.