
نسرين علاء الدين تكتب: "فشة خلق" .. عذر أقبح من "عنف"
لن أعيش في ظل أحد
تأخذ نفسا عميقاً وتنظر مطولاً إلى انعكاسها في المرآة، سنتان وما يزيد على ثلاثة أشهر، وسناء ترتدي اللباس الأسود. اليوم ستخرج للمرة الأولى بعد أن استبدلت غطاء رأسها الأسود باللون الأبيض. كان ممنوعاً عليها أن تضحك أمام الضيوف، أو ترتدي ألواناً فاتحة، لا تتحدثي إلى البائع، ولا تجلسي على الفراندا. توفي زوج سناء نتيجة الحرب، تاركاً خلفه طفلة لم تتم عامها الأول. كان يتوجب على سناء قضاء أشهر العدة الأربعة في منزلها لكن المنزل قُصف. وفي ليلة وضحاها وجدت نفسها دون زوج أو منزل، تنتظر من الأهل والأقارب أن يعطوها مصروفها، وثمن طعام، وملابس لصغيرتها، لم يترك زوجها راتباً، أو تعويضاً. لم تنه سناء دراستها الثانوية، تزوجت قبل الوصول إلى صف البكالوريا.
تقول: "في اليوم الثالث من وفاة زوجي؛ كانت نسوة إخوته يتهامسن حولي، كيف ستبقى فتاة صغيرة بين أزواجهن، وعلى من سيقع الاختيار كي يتزوجني. حركتي صارت مقيدة وعندما علم أهلي بالمضايقات؛ اصطحبوني معهم إلى منزلهم. عدت إلى غرفتي الصغيرة، وعلى يدي طفلة، لكن عودتي لم تكن كما كنت أحلم. بات أهلي يتضايقون من صوت بكاء ابنتي، والمصروف الذي بتُّ جزءاً منه. كما كانت حماتي تسعى في زياراتها لعرض زواج أحد إخوة زوجي، وتهددني بأنها ستأخذ مني ابنتي في حال تزوجت من شخص غريب. لم أتمكن من إتمام دراستي لكني استطعت الالتحاق بمحل "كوافيرة"، مصففة شعر. بعد سنة من العمل؛ أصبحت أجيد بعض الأشياء، وبات لي زبونات يزرنني في منزلي، وبت قادرة على تحصيل مبلغ اشتري به ما أشتهي مع ابنتي. لا أريد الزواج من أحد، أنا سعيدة في حياتي. لكن اتركوني بحالي".
فشة خلق
منذ فترة لم تعد تكترث عليا للضرب الذي تتلقاه على يد زوجها لأتفه الأسباب. تقول: بعد سبعة أيام من زواجنا؛ تلقيت أول "قتلة" من زوجي، كنت أجلس مع أبناء أخيه أشاهد أفلام الكارتون، كان يناديني لكني لم أسمع صوته، فأتى من غرفتنا إلى الصالة وقام "برفسي" بقدمه حتى التصقت بالجدار، وانهال علَي بالضرب حتى فقدت الوعي. قضيت يومها ليلتي خارج الغرفة كعقاب لي. في اليوم التالي اتصلت بوالدتي ورويت لها ما حدث، لم يكن منها سوى أن بكت، وقالت لي: "الحق عليك". قلت لها أريد العودة إلى البيت، أجابت: إياك أن تفكري في الأمر. في المساء عاد زوجي من عمله، قامت والدته بالتوسط لي كي أبات في غرفتي. وقالت لي لم تقم والدتك بتربيتك جيداً نحن سنربيك من جديد!. انتهى أسبوع العسل مع تلك الحادثة، وضعت لي "الحماية" دوراً للجلي والغسيل. زوجي يعمل في البناء والاكساء، يكبرني بسبعة عشر سنة، كان متزوجاً قبلي، أجهضت زوجته السابقة مرتين بسبب ضربه المستمر لها، وهربت بالنهاية لبيت أهلها. طبعا لم أكن أعلم بهذا الأمر، حتى لو كنت أعلم؛ لم أكن أملك من أمري شيئاً".
مستورة
تضيف عليا: "توفي والدي بسبب الحرب، نزحنا جميعنا من منزلنا، وبتنا أنا وأخواتي ووالدتي عبئاً على عمي الذي زوجنا الواحدة تلو الأخرى، أخرجنا من المدرسة رغم أننا كنا نجلس في غرفة من مركز إيواء، ولم نكن بحاجته، لكنه كان يقول لوالدتي: "أريد أن أستر عليهن هن هم كبير". وتضيف: "حال أخواتي لم يكن أفضل من حالي بكثير، عادت أختي الكبرى إلى والدتي بعد زواجها بأربعة أشهر وهي حامل، بسبب معاملة زوجها السيئة لها، لكن عمي أعادها لزوجها".
بعد سنتين من زواجي اعتدت على مزاجه المتقلب، وعندما يريد أن يضربني لا يوجد شيء يوقفه لا بكاء طفلتي أو توسلاتي.
عدد كبير من السوريات تعرضنا للنزوح، وفقدن أباً أو ابناً، أو زوجاً، أو أخاً، وفي عدد كبير من الأوقات استُخدمن كسلاح تم سبيهن وبيعهن واحتجزاهن واعتقالهن. لا تؤمن النساء بأهمية شكواهن ضد الضرب، فمن التقيتهن كن يبررن للزوج أو الأخ أو الأب ضربهن، ولسان حالهن يقول: "نحن في حالة حرب وهم يريدون أن يفشوا خلقهم".
يعمل عدد من الناشطين والناشطات في مجال حقوق الإنسان على رفع المعرفة الحقوقية للنساء السوريات من أجل حصولهن على حقوقهن، لكن العادات والتقاليد وضعف النساء اقتصادياً وثقافياً يبقيهن خائفات من المطالبة بحقوقهن.