إحدى ورشات القيادة النسوية في محافظة السويداء - أميرة مالك

أميرة مالك تكتب: نسويات بالصدفة!

ليس بفترة بعيدة، وأثناء حضوري لأحد الاجتماعات التحضيرية لمشروع يعنى بالمرأة السورية؛ تحدثت إحدى المشاركات، مدافعة عن المرأة بإعطائها صفة المسالمة، أنه في الصراعات السياسية التي يمكن أن تحدث داخل البرلمان؛ أكثر ما يمكن للنساء  القيام به هو النميمة!.

ناشطة أخرى في نفس الاجتماع، وأثناء حديثها عن مهارات النساء الاقتصادية، تطرقت إلى موضوع قيادة السيارة، معللة وجود سائقين أكثر من سائقات؛ بأن المرأة لا تستطيع ركن السيارة بشكل جيد، وهو أمر من اختصاص الرجل.

كان يمكن لهذه التعبيرات أن تمر على ذهني بشكل طبيعي لو خرجت من فئات مجتمعية، تعمل كمدافعات عن حقوق المرأة على تغيير الذهنية العقلية والصورة النمطية للمرأة لديهم، ولكن أن تكون هذه أفكار جزء ممن يدعون بأن المرأة هي قضيتهن؛ّ تلك هي المصيبة.

يُقدر عدد الفرق والمنظمات المدنية التي تختص حالياً بمواضيع المرأة والطفل في سوريا؛ بأكثر من 200 فريقاً موزعة على المناطق الجغرافية المختلفة لتواجد المرأة السورية سواء داخل البلاد أو خارجها.

وجود عدد كبير من هذه الفرق يعود إلى عوامل كثيرة، منها: تغير وضع النساء في المجتمع السوري الناتج عن الحرب والذي جعل من المرأة السورية عاملة ولاجئة وصانعة سلام، بالإضافة إلى بروزها في أماكن صنع القرار  بشكل ملحوظ؛ يعد السبب الأساسي والمعلن لعمل الفرق المدنية بهذا المجال .

إلا أن الرقابة والتضييق الأمني على العمل المدني الذي يعنى بمواضيع أخرى كحقوق الإنسان والتمكين السياسي والإعلام، وفتح باب الساحة على مصراعيه لمواضيع المرأة والطفل بهدف تعويمها ولكونها أقل خطورة على صانعي القرار في الحكومة السورية، بالإضافة إلى المطالب التي تنتج عن هذا العمل كونها ليست على صلة مباشرة بالسياسة؛ عوامل تشكل السبب غير المباشر، والضمني لدى الكثير من الناشطين في قضايا المرأة، حيث يعبرون عن إمكانية إيصال الأفكار التي يريدون وممارسة العمل المجتمعي دون التعرض للمساءلة.

في لقاء آخر، وأثناء جلسة نقاش مع مجموعة من الناشطين والعاملين في قضايا المرأة السورية، توضح الناشطة النسوية منذ ما يزيد عن 30 سنة، سوسن زكزك،  أنه "جرى تشكيل عدد من الجمعيات النسوية تحت ضغط حاجة النظام السياسي لإظهار انفتاحه على المجتمع، وعلى الرغم من أن سقف هذه المنظمات هو ذاته بالنسبة للنظام في الإصلاحات التي ستطالب بها؛ إلا أن مجرد البحث في قضايا التمييز ضد النساء سيقود تلك المؤسسات إلى اكتشاف أن هذا السقف هو إطار محدود جداً، وغير قادر على القضاء على التمييز ضد النساء، وسيفرز بينها حركة أكثر عمقا ونضجا".

إلا أن التطرف الحاصل حالياً بطرح قضايا المرأة، والعمل المقصود لاعتبار أن الطفرات المجتمعية التي ظهرت حالياً بشكل واضح في المجتمع السوري كالتطرف في الانفتاح وزيادة قضايا الطلاق وجرائم الشرف؛ سببه النسوية، يعتبر الأمر الأكثر خطورة على قضية المرآة والذي جعل حتى الأشخاص المؤمنين بهذه القضية يتأثرون سلباً بذلك.

يتحمل مسؤولية هذا التطرف جزء كبير من مدعي النسوية، الذين اتجهوا للمناداة والعمل بهذه القضية ليس عن دراية ومعرفة حقيقة بها، ولا عن إيمان بهذا المفهوم، وهذا ما يجعلهم الخطر الاكبر على هذه القضية، وأداة تستخدم لتشويه رسالة النسوية وتغيير مضمونها.

وإذا كانت الأنظمة السياسية والدينية وحتى المجتمعية تسعى بكل ما لديها لمنع مناصري قضايا المرأة من تحقيق أهدافهم، فإن استمرار عملنا نحن بطريقة غير علمية وعشوائية، بالإضافة إلى انعدام التشبيك والتنسيق بيننا بشكل حقيقي ومثمر، سيكون أداة تستخدم من قبل هؤلاء لوصولهم إلى غاياتهم بتقليل الحاضنة المجتمعية للأفكار المناصرة للمرأة.

النسوية اليوم لم تعد قضية المرأة وحدها، ولم يعد العمل فيها مقتصراً على النساء فقط، بل أصبحت النسوية ووفقاً للمدارس الحديثة؛ قضية مجتمعية متكاملة يتم إشراك مختلف الشرائح المجتمعية فيها، أطفال وشباب ورجال، وتدرس اليوم هذه القضية كأحد العلوم التي لابد لنا من تعلمها، لكي نتمكن من حمل رسالتها بطريقة صحيحة غير مؤذية.