هنا صوتك - إعلان في شارع الثورة/ دمشق.

صدام حسين يكتب: أجسادنا.. قطع غيار!

ليس مشهداً من المسلسل السوري "عناية مشددة"، وليست هناك "بطلة" تمثّل بأجساد "الكومبارس" للمتاجرة بها، ليس هناك كاتباً ولا مُخرجاً هذه المرة.

هم أبطال حقيقيون من لحم ودم، مثلّت بهم الحياة، وقطعت "هموم" الواقع أوصالهم، فاضطروا في الحلقة الأخيرة لبيع أجزاء من أجسادهم، لإنتاج حياة أفضل، أو لمجرد البقاء على قيد الحياة.

الصفقة:

البطل الأول؛ تيسير اللحام، بدأت الحلقة الأولى في مسلسله بداية العام 2011، عندما اضطر للنزوح من بيته في غوطة دمشق الشرقية، تاركاً خلفه دكانه الصغير، مصدر رزقه الوحيد.

لم تقدم العاصمة بكل صخبها عملاً لأبي يزن، مصاريف الزوجة والأولاد وإيجار المنزل بقيت ديوناً من الأصدقاء، إلى أن أغلق الجميع أبوابه بوجه الرجل الأربعيني، وتراكمت الديون، ووصل إلى مرحلة العجز.

انقطعت به سبل الحياة، إلى أن تعرف في إحدى الحلقات على أحد السماسرة الذين يعملون في تجارة الأعضاء البشرية، وأقنعه ببيع كليته مقابل ثمانية آلاف دولار أمريكي، وهو مبلغ يكفي لسداد ديونه والسفر إلى تركيا.

وبالفعل أجريت العملية بنجاح وتمت الصفقة بين البائع والمشتري، يقول في الحلقة الأخيرة: "إن العيش بكلية واحدة ليس مهماً، لكن الأهم أنه وجد عملاً في تركيا وعائلته مستقرة هناك.

30 ألف حالة

تيسير حالة من بين 30 ألف أخرى تتعلق بتجارة بالأعضاء في سوريا، وهذا الرقم زودتنا به مصادر في الهيئة العامة للطب الشرعي التابعة للحكومة، والتي أكدت أنه من الصعب الحصول على رقم دقيق لحالات الإتجار بالأعضاء في فترة الحرب.

القانون السوري يسمح بعملية نقل الأعضاء على أن تكون مجانية «أي تبرع»، وفي حال  تقاضي أي مبلغ؛ يعاقب الطرفان بالسجن مابين ستة أشهر وسنتين مع غرامة لا تتجاوز 20 دولاراً، فيما يعاقب القانون تجار الأعضاء بالأشغال الشاقة المؤقتة وغرامة لا تتجاوز 200 دولاراً، ورغم ذلك تقول مصادر في وزارة العدل السورية أنه من المستحيل إحالة هؤلاء إلى المحاكم لصعوبة الوصول إليهم في ظل الفوضى التي تعيشها البلاد.

إعلان

لا يخلُ جدار في العاصمة السورية من إعلان عن الحاجة لمتبرع بكلى من جميع الزمر الدموية، وبمجرد الاتصال برقم المعلن يكتشف المتصل أنه أمام شبكة متكاملة لتجارة الأعضاء، وخشية الملاحقة الأمنية بدأ هؤلاء التجار بالاعتماد على التواصل الشخصي لإقناع الفقراء ببيع أعضائهم، وهي الطريقة الأكثر نجاعة مع وجود نحو ثمانية ملايين نازح في الداخل السوري، يعيش 85 بالمئة منهم تحت خط الفقر.

أما في دول الجوار السوري حيث يعيش أكثر من خمسة ملايين لاجىء في ظروف معيشية صعبة؛ تعمل عشرات الشبكات في تجارة الأعضاء، وتنشط على مواقع التواصل الاجتماعي، وتستهدف النازحين الفقراء خصوصاً الشباب الذين يراودهم حلم الهجرة إلى أوروبا.

مخيمات النزوح

البطل الثاني (ياسين .ت)، أحد اللاجئين السوريين في تركيا، أوصله اليأس والفقر وانعدام فرص العمل إلى أحد تجار الأعضاء، والذي أقنعه ببيع كليته مقابل سبعة آلاف دولار أمريكي، ويقول ياسين إن الصفقة أمنت مصروف أسرته لعدة أشهر، ولكنها لم تكن كافية للسفر إلى أوروبا لأنه "دفع معظم المبلغ على العلاج من مضاعفات العملية"، خصوصاً وأنها تجري بسرية تامة في ظروف صحية سيئة، قد تعرّض الضحايا للموت، عدا عن الآثار النفسية بعد إجرائها.

الخطف

البطلة الثالثة "جميلة. م" والمقيمة في تركيا حالياً عاشت السيناريو الأكثر مأساوية في حياتها، عندما تسلمت في المشهد الأخير جثة زوجها المخطوف في إدلب، منزوعة الأعضاء، وتقول جميلة أنه لا جدوى من البحث عن العصابة وتحقيق العدالة وسط هذه الفوضى.

شكل آخر لتجارة الأعضاء لا يتم بالتراضي هذه المرة، مستفيداً من حالة انعدام الأمن في بعض المناطق السورية، "مافيات" تستخدم أسلوب الخطف لبيع أعضاء المخطوفين، بعد أن أثبت أسلوب الفدية فشله في ظل الأوضاع المالية المزرية لمعظم السوريين.

وكما يحصل بعد كل جريمة، تتبادل أطراف الصراع في سورية الاتهامات بإدارة هذه العصابات وتحويل أجساد السوريين إلى سلعة. 

قطع الغيار

هو شكل آخر للموت اختبره السوريون، بعد أن جرّب فيهم العالم كافة أنواع الأسلحة، فمن نجا من المتفجرات، ولم يغرق في البحر، بيعت أعضاؤه كقطع غيار للأثرياء. 

 

*نشرت هذه المادة لأول مرة بتاريخ 2017-05-29