
عشرة أشهر مضت على عتمة الضوء الأحمر الخاص بالبريد الالكتروني لرزان. لم يكن وقع ذلك سهلاً على مسامعي. لم أصدق، ولا أريد تصديق ذلك. فكرة أن تغيب رزان في دمشق، في منطقة من مناطق الغوطة الشرقية "دوما" وعلى يدي من كانت تدافع عنهم، فكرة صادمة لي. كنت أنتظر وأرقب أي اتصال منها، وسماع صوتها، تخبرني بأن كل شيء على ما يرام. ولكن للأسف لم يحدث ذلك.
في التهديد الأول الذي تعرضت له رزان، لم تتكلم عن الأمر ولم تخبرني به خوفاً من قلق والدانا عليها. ولكن أحد أصدقائي المقربين أخبرني. فعاتبتها وحاولت إقناعها بترك مكانها والانتقال إلى مكان آخر أو السفر خارج البلاد، فأجابتني بأن "التهديد لن يثبط من عزيمتي. سوريا وطني الذي أحب، ولن يرغمني الخوف على هجرة من أحب".
لم أستطع يوماً أن أتحلى ببعض من شجاعة شقيقتي وثورتها على كل ما هو خاطئ من حولها. لم أكتسب همتها بمعالجة كل ما استطاعت أن تكتب عنه.
منذ بداية نشأتي أدهشتني اهتماماتها وثقافتها وقدرتها على تزويدي بالأجوبة عن كل ما كنت أتساءل عنه واستغربه، ضمن مجتمعاتنا المغلقة التي يسودها كل ما هو ممنوع.
لم أتذكر يوما أنني استيقظت أو غفيت بغرفتنا المشتركة إلا ورزان تحمل كتابا وتقرأه. حتى أنني لطالما تذمرت من الضوء الذي كان دائما مضاء فوق رأسي والتي كانت تأبى إطفاءه لتتمكن من متابعة قراءتها.
اصطحبتني معها في أغلب الأوقات، ورافقتها إلى العديد من الاعتصامات التي كانت تشارك بها منذ سنين. اعتصامات من أجل فلسطين والعراق وغيرها. كانت إحداها سبب معرفتنا بزوجها المختطف معها الناشط وائل. وحضور المنتديات، ومواكبة الفعاليات والنشاطات بالفترة التي سميت بربيع دمشق، والذي شعرت بأنه ربيع رزان.
عملت رزان بالصحافة، وكتبت عن العديد من المشاكل الاجتماعية خلال فترة دراستها للحقوق. لم تكل يوما من بذل جهد لتحقيق ما يسمى بالعدالة، والمطالبة بحقوق الآخرين.
لم تكن كتابة رزان عن أي موضوع لمجرد الكتابة أو لمادة تسطرها بإحدى المجلات، وإنما كانت متابعة صادقة وحقيقية لناشطة تسعى لمعالجة أنواع المشاكل التي تتحدث عنها، وتعمل بيدها للوصول إلى الحل.
تبنت قضايا الأطفال والنساء، وكتبت عن أوضاعهم، وطالبت بحقوقهم، وتابعت مشاكلهم، وزارتهم في بيوتهم ومراكزهم. وسعت لحل مآسيهم، ولم تتأخر يوماً في التفكير بإنسان طلب مساعدة، حتى لو لم تكن قادرة على مساعدته، كانت تقول: "على الأقل أستطيع أن أستمع إلى معاناته".
بدأت رزان نشاطها الحقوقي بعد الانتهاء من دراستها وحصولها على الإجازة الجامعية، ثم بدأت مهمة التدريب على ممارسة المحاماة. لم يكن نشاطها بعد إنهائها فترة التدريب، وإنما بدأت نشاطها الحقوقي خلال فترة التدريب.
رافقتها في تلك المرحلة. وكان الحدث الجميل لدي هو زيارة مكتبها في مبنى "جمعية حقوق الإنسان في سوريا" الذي كانت تتدرب فيه، ورؤيتها خلف مكتبها الخاص واهتمامها المتواصل بقضايا المعتقلين.
عملت في الدفاع عن المعتقلين السياسيين من كل الفئات والانتماءات ولم تميز بين واحد وآخر. اهتمت بعائلاتهم وبنت معهم علاقات إنسانية واجتماعية، وساندتهم في وجعهم، واعتبرت نفسها فرداً في عائلتهم.
سرني محبة الناس لها، وتقديرهم لكل ما تعمله.
الآن يحاول خاطفوها تغييبها. يحاولون إسكات صوتها وإسكات صوت أصدقائها المخطوفين معها.
بكلمات قليلة أريد توجيه رسالتي لخاطفي رزان مهما كانوا وأينما كانوا.
لن نكل، ولن نمل، وإذا اعتقدتم أنكم بخطفها ستسكتوها، فاعلموا أننا نمضي على طريقها.
رسالة رزان الإنسانية باقية. جهود أصدقائها محفورة في تضاريس سوريا الإنسانية.
لقّبها ثوار سوريا بسيدة الثورة، وياسمينة دمشق في فترة سابقة. ربما تستحق رزان الألقاب، ربما تستحق أكثر من الألقاب، تستحق رزان وأصدقاءها الحرية.
أعيدوهم لنا فهم رمز ثورتنا وليسوا فقط أبناءنا.
الحرية لكم: الحرية لرزان وناظم ووائل وسميرة وكل المعتقلين.. الحرية لسوريا الأسيرة.
*مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر كتابها ولا تعبر بالضرورة عن موقع "هنا صوتك".